إذا قدم الراكب السوق وعَلِمَ أنه قد غُبِنَ فله الخيار لأن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قال: ((فهو بالخيار)) والمذهب عند الحنابلة أنه لا خيار إلا من الغبن لأنه إنما ثبت لأجل الخديعة ودفع الضرر ولا ضرر إلا مع عدم الغبن.
وقيدوه _ رحمهم الله_ بما يخرج عن العادة يعني أن يكون قد غبن غبناً يخرج عن العادة لأن ما دون ذلك لا ينضبط.
المبحث الخامس:
النهي عن التلقي بناء على الغالب، وإلا فلو اتصل عليهم قبل وصولهم واشترى منهم مع عدم علمهم بالسعر فهو منهي عنه، وهل يمكن هذا؟. نعم يمكن؛ يَتَّصِل عليهم قبل أن يَقدموا السوق ويشتري منهم عن طريق الهاتف وهم يجهلون السعر، فالحكم واحد، لأن قوله _ عليه الصلاة والسلام _: ((لا تلقوا الركبان)) خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.
المسألة الثانية:
تحريم البيع على بيع أخيه، لقول النبي _ صلى الله عليه وسلم _ ((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)).
وفيه مباحث:
المبحث الأول:
اعلم أن البيع على بيع الأخ له صورتان:
الصورة الأولى: أي يكون ذلك في زمن الخيارين:
1. خيار المجلس.
2. وخيار الشرط.
فهذا محرم بالاتفاق كأن يقول مثلاً لمن اشترى سيارة بعشرة آلاف أنا أبيعك مثلها بتسعة آلاف ليفسخ ويعقد معه وهما في المجلس.
أو شرط له المشتري أن له الخيار ثلاثة أيام.
مثال آخر: أن يقول لمن اشترى سيارة بتسعة آلاف حَالَّة، أنا أبيعها عليك بعشرة آلاف مؤجلة، فهذا بالكيفية، والمثال الأول بالكمية.
الصورة الثانية: أن يكون بعد زمن الخيارين فهذه محل خلاف، فالمذهب أنه جائز لأنه لا يتمكن من الفسخ.
والقول الثاني: أنه محرم وهو مذهب الإمام مالك واختاره ابن رجب _ رحمه الله _ في كتابه ’’القواعد‘‘ وهو الصحيح لأمرين:
الأمر الأول: أن العلة موجودة وهي ما سيولده ذلك في قلبه من البغض والضغينة على أخيه وهذا موجود سواء في زمن الخيارين أو بعد زمن الخيارين.
الأمر الثاني: أنه سَيَعْمَد إلى فسخ البيع بأي وسيلة، فصار هذا القول هو الراجح.
وعلى هذا لو أن العقد تم وتفرقا من المجلس ولم يكن هناك خيار شرط واشترى هذه السيارة بعشرة آلاف فجاءه رجل وقال له أنا أبيعك مثلها بتسعة آلاف فالمذهب أن هذا جائز والصحيح عدم الجواز للأمرين الذين ذكرناهما.
المبحث الثاني:
في معنى البيع على بيع أخيه أيضاً الشراء على شرائه كأن يشتري سلعة بعشرين فيأتيه آخر ويقول للبائع: أنا أشتريها منك بخمسة وعشرين، أو يشتري منه سلعة بعشرين مؤجلة فيقول لها آخر أنا أشتريها منك بخمسة عشر حالَّة، فهذا بالكيفية، والأول بالكمية.
وفي معناه أيضاً السَّوْم على سوم أخيه، لقوله _ صلى الله عليه وسلم في رواية لهما: ((ولا يسام المسلم على سوم أخيه)) وفي رواية أخرى ((ولا يسم المسلم على سوم أخيه)) وهذا في غير بيع المزايدة إذا حصل التراضي صريحاً وركن البائع إلى المشتري، وركن المشتري إلى البائع ولم يبق إلا العقد فإنه لا يجوز أن تسوم على سوم أخيك وبه فَسَّرَ الإمام مالك _ رحمه الله _ حديث الباب، نص على ذلك ابن عبدالبر.
الإمام مالك _ رحمه الله _ فسر قول النبي _ صلى الله عليه وسلم _: ((ولا يبع أحدكم أو بعضكم على بيع أخيه)) أن المراد به السوم على سوم أخيه فيما إذا اتفقا وركن البائع إلى المشتري وركن المشتري إلى البائع ولم يتم العقد حمل الإمام مالك _ رحمه الله _ أن المراد به هذه الصورة،ولكن الصحيح ما تقدم وأن السَّوْم غير البيع.
أما في بيوع المزايدة يعني السلع التي تباع فيمن يزيد فهذا جائز بل نقل بن عبدالبر الإجماع على جوازه.
المبحث الثالث:
الحكمة من النهي قطع العدوان على الغير واجتناب ما يؤدي للعداوة والبغضاء.
المبحث الرابع:
أن قوله _ صلى الله عليه وسلم _: ((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)) أي المسلمين خَرَجَ مَخْرجَ الغَالِب فلا مفهوم له، وإلا فالصحيح أن الكافر المعصوم كالذمي والمعاهد والمستأمِن لا يجوز أن تبيع عل بيعه، ولا أن تشتري على شراءه ولا أن تسوم على سومه قال ابن عبدالبر: (أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز دخول المسلم على الذمي في سومه إلا الأوزاعي وحده فإنه قال لا بأس به) انتهى كلامه _ رحمه الله _.
المبحث الخامس:
محل التحريم عند بعض أهل العلم مالم يأذن البائع في البيع على بيعه، فإن أذن في ذلك ارتفع التحريم قالوا: وقد ورد في رواية ((إلا أن يأذن)) ولكن الصحيح العموم وأن هذا الاستئذان الوارد في الحديث عائد إلى الخطبة ((لا يبع المسلم على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن)) هذا الاستئذان عائد إلى الخطبة لا إلى البيع على بيعه فالصحيح العموم، وأنه لا يجوز أن يبع على بيعه حتى ولو أذن لأنه يبقى شيء في قلبه أنه مغبون وأنه خُدِع.
المبحث السادس:
أن العقد في البيع على بيعه، والشراء على شراءه باطل، وأما السوم على سومه فالعقد صحيح مع الكراهة.