تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون وقد كان مستسيقنا به في الباطن كما قال له موسى: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر} وقال تعالى عنه وعن قومه {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} ولهذا [لما] قال: وما رب العالمين؟ على وجه الإنكار له تجاهل العارف قال [له] موسى: {رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين * قال لمن حوله ألا تستمعون * قال ربكم ورب آبائكم الأولين * قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون}

وقد زعم طائفة أن فرعون سأل موسى مستفهما عن الماهية وأن المسؤول عنه لما لم تكن له ماهية عجز موسى عن الجواب وهذا غلط وإنما هذا استفهام إنكار وجحد كما دل سائر آيات القرآن على أن فرعون كان جاحدا لله نافيا له لم يكن مثبتا له طالب للعلم بماهيته فلهذا بين لهم موسى أنه معروف وأن آياته ودلائل ربوبيته أظهر وأشهر من أن يسأل عنه بما هو؟ بل هو سبحانه أعرف وأظهر وأبين من أن يجهل بل معرفته مستقرة في الفطر أعظم من معرفة كل معروف ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال: أن العالم له صانعان متماثلان في الصفات والأفعال فإن الثنوية من المجوس والمانوية القائلين بالأصلين: النور والظلمة وأن العالم صدر عنهما -: متفقون على أن النور خير من الظلمة وهو الإله المحمود وأن الظلمة شريرة مذمومة وهم متنازعون في الظلمة هل هي قديمة أو محدثة؟ فلم يثبتوا ربين متماثلين

وأما النصارى القائلون بالتثليت فانهم لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض بل متفقون على أن صانع العالم واحد ويقولون: باسم الإبن والأب وروح القدس إله واحد وقولهم في التثليث متناقض في نفسه وقولهم في الحلول أفسد منه ولهذا كانوا مضطربين في فهمه وفي التعبير عنه لا يكاد واحد منهم يعبر عنه بمعنى معقول ولا يكاد أثنان يتفقان على معنى واحد فانهم يقولون: هو واحد بالذات ثلاثة بالاقنوم! والاقانيم يفسرونها تارة بالخواص وتارة بالصفات وتارة بالأشخاص وقد فطر الله العباد على فساد [هذه] الاقوال بعد التصور التام وبالمجلة فهم لا يقولون باثبات خالقين متماثلين

والمقصود هنا: أنه ليس في الطوائف من يثبت للعالم صانعين متماثلين مع أن كثيرا من أهل الكلام والنظر والفلسفة تعبوا في اثبات هذا المطلوب وتقريره ومنهم من اعترف بالعجز عن تقرير هذا بالعقل وزعم أنه يتلقى من السمعوالمشهور عند أهل النظر اثباته بدليل التمانع وهو: أنه لو كان للعالم صانعان فعند اختلافهما مثل أن يريد أحدهما تحريك جسم وآخر تسكينه أو يريد أحدهما احياءه والآخر اماتته -: فإما أن يحصل مرادهما أو مراد أحدهما أو لا يحصل مراد واحد منهما والأول ممتنع لأنه يستلزم الجمع بين الضدين والثالث ممتنع لأنه يلزم خلو الجسم عن الحركة والسكون وهو ممتنع ويستلزم أيضا عجز كل منهما والعاجز لا يكون إلها واذا حصل مراد أحدهما دون الآخر كان هذا هو الإله القادر والآخر عاجزا لا يصلح للإلهيةوتمام الكلام على هذا الأصل معروف في موضعه وكثير من أهل النظر يزعمون أن دليل التمانع هو معنى قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} لاعتقادهم أن توحيد الربوبية الذي قرروه هو توحيد الإلهية الذي بينه القرآن ودعت اليه الرسل عليهم السلام وليس الامر كذلك بل التوحيد الذي دعت اليه الرسل ونزلت به الكتب هو توحيد الإلهية المتضمن توحيد الربوبية وهو عبادة الله وحده لا شريك له فإن المشركين من العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية وأن خالق السماوات والأرض واحد كما أخبر تعالى عنهم بقوله: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون} ومثل هذا كثير في القرآن ولم يكونوا يعتقدون في الأصنام أنها مشاركة لله في خلق العالم بل كان حالهم فيها كحال أمثالهم من مشركي الأمم من الهند والترك والبربر وغيرهم تارة يعتقدون أن هذه تماثيل قوم صالحين من الأنبياء والصالحين ويتخذونهم شفعاء ويتوسلون بهم الى الله وهذا كان أصل شرك العرب قال تعالى حكاية عن قوم نوح {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} وقد ثبت في صحيح البخاري وكتب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير