تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الطويل، وإنما أخرجها البيهقي في السنن الكبرى من حديث معاذ بن جبل، وقال إسناده لا يثبت مثله)، وقد تتبعت طرق وأسانيد حديث عمرو بن حزم المشار إليه في كتب السنة، ولم أجده مسندًا مرفوعًا إلى رسول الله بطريق صحيح، فضلاً عن أن الجملة المذكورة لا توجد في الحديث، مع أن (الوجادة) أضعف طرق تحمل الرواية عند المحدثين. والغريب أن ابن قدامة في كتابه (المغني) حكى عن ابن المنذر وابن عبد البر الإجماع على أن دية المرأة على النصف من الرجل، واستند إلى هذه الجملة التي لا توجد في حديث عمرو بن حزم، في حين رد على بعض المخالفين في تنصيف الدية، ووصف رأيهم بالشذوذ مع استدلالهم بجملة في حديث عمرو بن حزم موجودة في كل رواياته تقريبًا وهي (في ا لنفس المؤمنة مائة من الإبل) فقد استدل لرأيه من الحديث بجملة مفقودة وحكم بشذوذ رأي مخالفيه باستدلالهم بجملة من الحديث موجودة، مع أن الحديث في صحة ثبوته نظر فضلاً عن الجملة موضع الخلاف حيث لا توجد في الحديث أصلاً، وما حكاه ابن المنذر وابن عبد البر من الإجماع عن النصف في دية المرأة إجماع لا يحتج به؛ لأنه إجماع في المذهب الواحد، وقد نبّه شيخ الإسلام ابن تيمية عن إجماعات ابن المنذر وابن عبد البر والنووي، حيث يذكرون الإجماع ثم يعقبونه بذكر الخلاف مما يدل على أنهم إنما يقصدون الإجماع داخل المذهب لا غير. والقرآن الكريم ليس فيه دليل على تنصيف الدية بين الرجل والمرأة، ولم يثبت في ذلك حديث صحيح، وكل ما فيه حديث عمرو بن حزم.

أما ثبوت أصل الدية -وأنها مائة من الإبل مختلفة الأسنان، وتقوّم أثمانها بالنقد والأعيان من زمن إلى آخر- فلا شك في هذا، بل إن جملة (في النفس المؤمنة مائة من الإبل) في حديث عمرو بن حزم ما يوصي بمساواة دية المرأة بدية الرجل؛ لأن كلاً منها نفس مؤمنة، وأيضًا ثبوت القصاص بين الرجل والمرأة دليل قوي بالمساواة بالدية عند عدم القصاص كقتل الخطأ وشبه العمد، وقياس الجمهور دية المرأة على تنصيف الميراث مع الرجل قياس مع الفارق والعبادات والمقدرات لا يدخلها القياس. ومع هذا فإن ظواهر الأدلة مع ما يقوله الشيخ يوسف القرضاوي، ولكن حقيقة الأمر والصواب فيما يظهر لي -والله أعلم- مع القول بأن دية المرأة المسلمة في قتل الخطأ على النصف من الرجل لأمور منها:

1 - إجماع الصحابة على هذا الأمر –أي التنصيف- حيث لم ينقل عن أحد منهم قال بخلافه، ثم اتفاق الأئمة الأربعة على هذا بمثابة الإجماع أيضًا، والإجماع عند العلماء أقوى من النص، فهو ينسخ ولا يُنسخ؛ لأنه لا يكون إجماعًا إلا وهو مستند على نص شرعي، سواء علمنا هذا النص أو جهلناه.

2 - يوجد بعض أحاديث لم تصح نسبتها إلى الرسول، بل لم يوجد لها إسناد أصلاً، وقد اعتمدها العلماء كحديث (لا وصية لوارث) مع أنه لا يوجد له إسناد، ومع ذلك قالوا: إنه نسخ آية "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ" [البقرة:180]. فحديث عمرو بن حزم وإن ضعف إسناده فقد تلقاه العلماء بالقبول فيجب الأخذ به –سواء وجدت هذه الجملة أو لم توجد- (دية المرأة نصف دية الرجل) وربما يوجد كتاب عمرو بن حزم كاملاً في المستقبل وفيه هذه الجملة موضوع البحث فيرتفع الخلاف حينئذ.

3 - قال العلماء المحققون كابن تيمية والسبكي وابن عبد السلام (إن شهرة الحديث تغني عن إسناده) فاخذوا بأحاديث في أسانيدها نظر، كحديث (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، وحديث (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن)، وحديث (اختلاف أمتي رحمة) ولا يوجد له إسناد البتة، وحديث معاذ لما أرسله الرسول –صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن قاضيًا (بم تحكم قال بكتاب الله ... الحديث) بل جعله العلماء دليلاً ومستندًا (للقياس) أحد أركان التشريع الأربعة مع ضعف إسناده.

4 - إذا كان الناس عملوا بعمل -زمنا أو أزماناً- وهذا العمل لا يخالف نصًا صريحًا من القرآن أو السنة فإن نقلهم عنه أو الإنكار عليهم لا يجوز، وهذا يسمى عند العلماء (عمل الناس) والمراد بالناس العلماء، حيث هم قادة الأمة، ولهذا كثيراً ما يقول العلماء في كتبهم مثل هذا، فالإمام الترمذي مثلاً يذكر الحديث في سنته ويبين ضعفه أحياناً ثم يقول:"ولكن عمل الناس عليه". وقال في كتابه (العلل) كل ما في كتابي (السنن) ثابت يعمل به ما عدا أربعة أحاديث وذكرها. والمالكية جعلوا (عمل أهل المدينة) أصلاً من أصول التشريع بعد القرآن والسنة وقدموه على الإجماع والقياس.

والخلاصة في الأمر أن ظواهر الأدلة مع الشيخ يوسف القرضاوي ومن وافقه ولكن لا أرى مصلحة في إثارتها في الوقت الحاضر، وعدم الخروج على ما أجمعت عليه الأمة عملياً منذ قرون خير من رأي يشوش على الناس ويهدم ولا يبني، والله أعلم.

انتهى.

هذا والله اعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير