فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها (3) لأنها تنافي مقتضى العقد، ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح.
القسم الثالث: ما يبطل النكاح من أصله مثل: أن يشترط تأقيت النكاح - وهو نكاح المتعة- أو أن يطلقها في وقت بعينه … أو يشترط الخيار في النكاح لهما أو لأحدهما …. فهذه شروط باطلة في نفسها ويبطل بها النكاح.أ. هـ. "المغني " (7/ 448 - 451).
2 - من الشروط الباطلة: اشتراط المرأة طلاق ضرتها
n عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم … ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها " رواه البخاري (9/ 190). مسلم (9/ 192).
وفي لفظ ((لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها …)) البخاري (9/ 273).
وفي لفظ ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها)) رواه البخاري (5/ 406) مسلم (10/ 161). ومن تبويب البخاري رحمه الله: باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح.
أ- قال ابن القيم رحمه الله: وتضمن حكمه صلى الله عليه وسلم بطلان اشتراط المرأة طلاق أختها، وأنه لا يجب الوفاء به.أ. هـ. "زاد المعاد" (5/ 107).
ب- قال الحافظ ابن حجر: قوله "لا يحل" ظاهر في تحريم ذلك. وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوِّز ذلك كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج، ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج، أو للزوج منها …. قال ابن بطال: نفى الحل صريح في التحريم، لكن لا يلزم منه فسخ النكاح، وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى، ولترضى بما قسم الله لها.أ. هـ. "الفتح" (9/ 274).
ج- وقال النووي: ومعنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل طلاق زوجته، وان ينكحها ويصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ونحوها ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك باكتفاء ما في الصحفة مجازا.أ. هـ. "شرح مسلم" (9/ 193).
د- وقال ابن قدامة رحمه الله: فإن شرطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط لما روى أبو هريرة قال ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تشترط طلاق أختها)) وفي لفظ ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتنكح)). والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، ولأنها شرطت عليه فسخ عقده وإبطال حقه وحق امرأته فلم يصح كما لو شرطت عليه فسخ بيعه.أ. هـ. "المغني" (7/ 449 - 450).
هـ- قال ابن عبد البر: وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز لامرأة ولا لوليها أن يشترط في عقد نكاحها طلاق غيرها…. ومن أهل العلم من يرى الشرط باطلا في ذلك كله، والنكاح ثابت صحيح، وهذا هو الوجه المختار، وعليه أكثر علماء الحجاز، وهم مع ذلك يكرهونها، ويكرهون عقد النكاح عليها، وحجتهم حديث هذا الباب وما كان مثله، وحديث عائشة في قصة بريرة يقتضي في مثل هذا جواز العقود وبطلان الشروط، وهو أولى ما اعتمد عليه في هذا الباب .. .أ. هـ. " التمهيد" (18/ 166).
قلت: وحديث بريرة مشهور رواه البخاري (5/ 408) ومسلم (10/ 140) وفيه إبطال النبي صلى الله عليه وسلم شرط أهل بريرة أن يكون لهم ولاؤها بعد شراء عائشة لها فقال صلى الله عليه وسلم لعائشة ((خذيها واشترطي لهم الولاء)) ثم أبطله عليهم صلى الله عليه وسلم علناً على المنبر ومما قاله صلى الله عليه وسلم ((ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)).
قلت: وقد صحح بعض العلماء هذا الشرط مستدلين بحديث ((إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج)) وهم، أبو الخطاب من الحنابلة "المغني" (7/ 450) والليث بن سعد "التمهيد" (18/ 169) والكوفيون "عمدة القاري" (20/ 143).
وقد رد على ذلك العلماء الذين أبطلوا هذا الشرط.
n قال ابن عبد البر: فإن معناه - والله أعلم - أحق الشروط أن يوفى به من الشروط الجائزة ما استحللت به الفروج، فهو أحق ما وفى به المرء، وأولى ما وقف عنده.أ. هـ. "التمهيد" (18/ 168).
n وقال الشافعي رحمه الله: فإن قال قائل، فقد يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إن أحق ….)) فهكذا نقول في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إنما يوفى من الشروط ما يبين أنه جائز، ولم تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه غير جائز.أ. هـ. "الأم" (5/ 109).
n قلت: وهو الذي ينبغي القول به، كيف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ((لا يحل)) و ((ينهى)) ثم نجوز هذا الشرط؟!.
* ملاحظة:
نقل العيني في "عمدة القاري" (20/ 143) القول بصحة هذا الشرط عن مالك والشافعي والكوفيين.
ولم أره عند "الشافعي" ولا "مالك". بل قال ابن قدامة - لما نقل اللزوم عن "أبى الخطاب"- ولم أره لغيره "المغني" (7/ 450). أما "الكوفيون " فقد نقله "العيني" عنهم - وهو من الأحناف - وارتضاه وحمل النهي فيه على التغليظ وهو غير مرضي.
والله أعلم.
====
(1) يتسرى: أي يجامع جارية له وسميّ أيضاً "السُّرِّيَّة" اشتقاقاً من "السر" وهو من أسماء الجماع، أو لأنه يجامعها سراً عن امرأته.
(2) رواه البخاري (5/ 404) مسلم (9/ 201).
(3) أما القسم لها أقل من صاحبتها، أو عدم الإنفاق عليها وما شابه ذلك، فإنت كان بعد الدخول صلحاً معها فلا بأس، وأما قبله عند العقد فهو الشرط الباطل، وهي فتوى الأئمة والحكم وحماد والزهري وابن سيرين. انظر "مصنف ابن أبي شيبة" (3/ 500).