أما بعد
قال أبو شعبة
الصحيح أن " الطبيب " ليس من أسماء الله الحسنى ...
قُلت: فهذا جزمٌ لمّا يَحِن أجلُه.
قال أبو شعبة:
فمن شروط إحصاء أسماء الله الحسنى أن يكون الوصف الذى دل عليه الإسم في غاية الكمال فلا يكون المعنى عند تجرد اللفظ منقسما إلى كمال أو نقص أو يحتمل شيئا يحد من إطلاق الكمال و الحسن
قُلت: وذات المعنى ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، إذ قال: الأسماء الحسنى المعروفة: هي التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها" (العقيدة الأصفهانية (1/ 19)).
لكن ...
ما قولك، بارك الله فيك في اسم (الجبار)؟؟
هل عند تجرد لفظه، يكون في غاية الكمال أم يحتمل النقص؟
والجَبَّارُ: الذي يَقْتُلُ على الغَضَبِ. والجَبَّارُ: القَتَّال في غير حق، وكله راجع إِلى معنى التكبر. (راجع لسان العرب).
وما قولك، سددك الله، في اسم (المتكبر)؟؟
هل عند تجرد لفظه، يكون في غاية الكمال أم يحتمل النقص؟
والله تبارك وتعالى سمى بعض الكفار متكبراً جباراً فقال: (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار).
ألا فاعلم، رحمك الله أن الفهم الخاطئ لتلك القاعدة، هو الذي أدى بالبعض لنفى أسماء، سمى الله بها نفسه.
والصواب في ذلك: أن الأسماء التي تحتمل النقص في معناها عند إطلاقها على البشر، لا تستلزم تيكم النقص في المعنى عند تسمية الله تبارك وتعالى نفسه بها.
فالله تبارك وتعالى سمى نفسه التواب، قال الله (عز وجل): {أن الله كان تواباً رحيماً}. وقد سمى الله جميع من تاب من الذنوب تواباً، فقال: {أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، ومعقول عند كل مؤمن أن هذا الاسم الذي هو اسم الله، ليس هو على معنى ما سمى الله التائبين به، لأن الله إنما أخبر أنه يحب التوابين: أي من الذنوب، والخطايا، وجل ربنا وعز أن يكون اسم التواب له على المعنى الذي أخبر أنه يحب التوابين من المؤمنين.
ولو نظرت رحمك الله إلى صفة اليد والوجه لله لوجدت أن اشتراك اللفظ بين البشر وخالقهم، لا يستلزم إطلاقاً اشتراك المعنى.
لخالقنا (عز وجل) أسام قد تقع تلك الأسامي على بعض خلقه في اللفظ لا على المعنى.
(راجع كتاب التوحيد لابن خزيمة).
قال أبو شعبة الأثرى حفظه الله
و هذا منهج السلف الصالح في الألفاظ التى تحتمل وجهين عند التجرد عن الإضافة، كالمكر و الخداع و النسيان و الإستهزاء و الكيد و الخذلان و غير ذلك من الأوصاف كالتردد و الإستخلاف.
قلت: تنبه، فإن ما ذكرته من ألفاظ كالمكر والخداع والنسيان ....
ليست بمدار حديثنا، فإن الله تبارك اسمه، لم يصف بها نفسه كصفات، وإنما أخبر بأفعالها عن نفسه، وقد أخطأ من اشتق من تلك الأفعال صفات، فإن الاشتقاق هنا خاطئ، لأن الله لم يسم نفسه بصفة الفعل وإنما بالفعل في سياقه.
فإنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له منه اسم مطلق.
قال ابن القيم رحمه الله: (الفعل أوسع من الاسم، ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالا لم يتسم منها أسماء الفاعل، كأراد، وشاء، وأحدث. ولم يسم "بالمريد" و"الفاعل" و"المتمن" وغير ذلك من الأسماء التي أطلق أفعالها على نفسه. فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء).
فى حين أن معرِض حديثنا يرحمك الله هنا، حول اسم سمى الله به نفسه مُجرداً ولم يأت بلفظ الفعل فقط، فلا ينسحب عليه ما تقول، بارك الله فيك.
قال أبو شعبة الأثرى:
و إسم الطبيب (عند إطلاقه) يكون فى موضع إحتمال فيكون كمالا في حال و نقصا
فى حال ...
قال أبو مقاتل: أما قولك (عند إطلاقه)، فإنه يستلزم أنه إنما جاء فى الأثر ذكرُهُ مُقيَداً، فهلا بينت لنا عله تقييده من سياق الأثر، وسِباقه، ولِحاقِه؟
إن قُلت كما قال الحليمى رحمه الله أن اللفظ جاء حال الاستشفاء كما في حديث عائشة رضى الله عنها (أنت الطبيب وأنت الشافى).
فنقول بحول الله: إن حديث أبى رمثة رضى الله عنه يرد هذا الزعم، فإنه لم يرد حال استشفاء.
وإن قُلت كما قال بعض المتقدمين أن اللفظ جاء فى حديث أبى رمثة (مُشاكَلَةً وطِباقاَ)، فنرد بحول الله أن حديث عائشة رضى الله عنها يرد هذا الزعم، إذ أن مرضه عليه الصلاة والسلام لا يحتمل المشاكلة والطباق لا سيما مع زوجته، يا ذوى الحجا والنُهى.
فائدة: قال أَبو عبيد: طُبَّ أَي سُحِرَ. يقال منه: رجُل مَطْبوبٌ أَي مَسْحور، كَنَوْا بالطِّبِّ عن السِّحْر، تَفاؤُلاً بالبُرءِ، كما كَنَوْا عن اللَّديغ، فقالوا سليمٌ، وعن المَفازة، وهي مَهْلكة، فقالوا مَفازة، تَفاؤُلاً بالفَوز والسَّلامة. قال: وأَصلُ الطَّبِّ: الحِذْق بالأَشياءِ والمهارةُ بها؛ يقال: رجل طَبٌّ وطَبِيبٌ إذا كان كذلك، وإِن كان في غير علاج المرض
قال عنترة:
إِن تُغْدِفي دوني القِناعَ، فإِننيى طَبٌّ بأَخْذِ الفارِسِ المُسْتَلْئِم
وقال علقمة:
فإِن تَسْأَلوني بالنساءِ، فإِنَّني بصيرٌٌ بأَدْواءِ النِّساءِ طَبيبُ
وقد قيل: إِن اشتقاقَ الطبيب منه، وليس بقويٍّ
وبعد
فإن فيما تقدم دحض لمن نفى عن الله تبارك وتعالى اسما من أسمائه
ومن نازعنا فى ذلك فليأت ببرهانه
أقول ما قد أسلفت
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو مقاتل المصري
¥