وقد ذهب بعض العلماء إلى اعتبار هذه الثلاثة ألفاظا صريحة فى الطلاق مراعاة للاستعمال القرآنى ().
بينما ذهب البعض الآخر إلى القول بأن لفظ الطلاق وحده وما اشتق منه مما لا يستعمل عرفا إلا فى حل رابطة الزوجية هو الصريح فى الطلاق، وما عداه فغير صريح أو كناية، لأن الصريح فى الشئ ما كان نصا فيه لا يحتمل غيره إلا احتمالا بعيداً ()
وعلى ما يظهر من عبارة المذكرة الإيضاحية فإن المعول عليه من هذه الاتجاهات هو الثانى، فقد نصت على أن " المراد بالكناية هنا ما كان كناية فى مذهب أبى حنيفة "، وهذا الاتجاه الثانى هو مذهب أبى حنيفة ومالك والزيدية ورواية عن أحمد. قال المرداوى "هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب، وصححه المصنف، والشارح، وابن منجا فى شرحه، والناظم، واختاره ابن حامد، قال فى الهداية: وهو الأقوى عنده، وجزم به فى الوجيز، والمنور، ومنتخب الآدمى البغدادى وغيرهم، وقدمه فى المحرر، والرعاية الصغرى، والحاوى الصغير، والفروع، وتجريد العناية " ()
ثانيا: وقوع الطلاق باللفظ الصريح مع النية إجماعا وبغير نية فى رأى الأكثرين.
أجمع المسلمون على أن الطلاق يقع إذا كان بالنية واللفظ الصريح اتباعا لظاهر الشرع ()
فإن صرح بالطلاق ولم ينوه:
ففى قول معظم الفقهاء يقع طلاقه ()
بينما يرى بعض الفقهاء أن " الصريح لم يكن موجبا لحكمه لذاته، وإنما أوجبه لأننا نستدل على قصد المتكلم به لمعناه، لجريان اللفظ على لسانه اختيارا، فإذا ظهر قصده بخلاف معناه لم يجز أن يلزم بما لم يرده، ولا التزمه، ولا خطر بباله، بل إلزامه بذلك جناية على الشرع وعلى المكلف، والله سبحانه وتعالى رفع المؤاخذة عن المتكلم بكلمة الكفر مكرها لما لم يقصد معناها ولا نواها فكذلك المتكلم بالطلاق … مكرها، أو لغضب، أو لسكر، أو لسبق لسان ()، ونحو ذلك مما سنعرض له تفصيلا.
وقد مال القانون إلى مذهب الجمهور فأوقع الطلاق باللفظ الصريح المنجز غير المعلق دون الحاجة إلى نية الطلاق () ولكن إن وجدت قرينة تصرف الطلاق عند معناه فلا يقع، وذلك كالتلفظ بالطلاق فى حالة الإكراه إذا قال الزوج إننى قصدت أنها طالق من القيد الحسى، فإنه يصدق فى دعواه لوجود القرينة الصارفة له عن المعنى الحسى الموضوع له. ()
ثالثا: لا يقع الطلاق غير الصريح إلا بالنية:
عرفنا أن الطلاق غير الصريح هو ما يطلق عليه الطلاق الكنائى وحسب عبارة المذكرة الإيضاحية فإنه يرجع فى تحديد ما هو كناية إلى مذهب الحنفية.
كنايات الطلاق
وحسب مذهب الأحناف فإنه فيما خلا لفظ الطلاق ومشتقاته كقوله: أنت طالق، أو أنت الطلاق، أو أنت مطلقة – بتشديد اللام – وطلقتك ونحو ذلك فكنائى، وهو عندهم على نوعين: ()
1 – نوع هو كناية بنفسه وضعا – أى بحكم الوضع اللغوى – وهو كل لفظ يستعمل فى الطلاق ويستعمل فى غيره: ومثاله أنت بائن، أنت على حرام، أمرك بيد، اعتدى، خليت سبيلك، فارقتك، أنت حرة، أغربى، الحقى بأهلك ونحو ذلك، فهذه الألفاظ تستعمل فى الطلاق وفى غيره.
فمثلا من يقول لزوجته: الحقى بأهلك " روحى بيت أبيك " يحتمل الطلاق، لأن المرأة تلحق بأهلها إذا صارت مطلقة، ويحتمل الطرد والإبعاد عن نفسه مع بقاء النكاح.
ومن يقول لزوجته: أنت بائن، يحتمل البينونة عن النكاح، ويحتمل البينونة عن الخير والشر.
ومن يقول: أنت على حرام يحتمل حرمة الاستمتاع، ويحتمل حرمة البيع والقتل والأكل ونحو ذلك، وقوله: أنت حرة، يحتمل حرة من قيد الزواج، ويحتمل أنت حرة فافعلى ما تشائين، وهكذا، حيث يبين لنا أن هذه الألفاظ وأمثالها تحتمل الطلاق وتحتمل غيره.
2 – وأما النوع الثانى: فهو أن يكتب كتابة مستبينة لكن لا على وجه المخاطبة أن" امرأته طالق " فيسأل عن نيته فإن قال: نويت به الطلاق وقع، وإن قال لم أنوبه الطلاق صدق.
النية ودلالة الحال فى الطلاق الكنائى
ولا خلاف بين القائلين بوقوع الطلاق الكنائى أنه يفتقر إلى النية لتعيين المراد، فإن لم ينو بها طلاقا فلا يلزمه الطلاق ديانة، أى فيما بينه وبين الله تعالى ()
أما فى القضاء، كأن تدعى المرأة أمام القضاء أن زوجها أراد بقوله: "أنت حرة مثلا" طلاقها، وأنكر هو أنه أراد ذلك:
¥