إن أول ما يسترعي انتباه القارئ كلمة فرضيات التي قبل أن نناقش محتواها نؤكد أنَّ كلمة فرضيّة تدل على قضية أو معلومات بدأت بمشاهدات و ملاحظات ثم صيغت على أساسها. و ليكون لها قيمة علمية لا بد من إثباتها علمياً أو بالتجارب مع اعتماد علم الإحصاء، والتنبه إلى الذرائعية و الربط غير المنطقي و الزلل التراجعي؛ و يكاد يكون هذا إجماع أهل العلم والمعرفة في وقتنا الحاضر، أما أصحاب هذا الفن ـ NLP طبعاً ـ فهم يضعون الفرضيات دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء البحث و المناقشة، ثم يطلبون من المتلقين أن يغيروا معتقداتهم و أفكارهم بناءً عليها. ونحن إذ نرضى بعض الفرضيات في علم النفس، لاسيما المَرَضي، فذلك لمعالجة مرضى نفسيين لا حيلة لنا معهم إلا بمثل هذه الفرضيات التي يسعى أصحابها لإثباتها علمياً وإحصائياً؛ أمّا أن تصبح هذه الفرضيات طريقاً مثلى للناس الأسوياء فهنا تكمن المشكلة برمّتها، فموضوع النفس موضوع خطير و أمراض النفس شديدة الوطأة صعبة العلاج، ولا يجوز تطبيق أي معالجة نفسية لا تكون مثبتة بوجهٍ علمي و بمنهج علمي له أسسه ومبادئه التي اتفق عليها العلماء، وأرجو من الأطباء النفسيين أن يقولوا رأيهم في هذا الأمر لخطورته وتعلّقه بالنفس الإنسانية التي ربما قاد ذلك التدخل لدى الأسوياء إلى أمراض نفسية عصية على العلاج.
ـ وسأستعمل كلمة قالوا عند نقل كلامهم وفي الرد كلمة أقول. . . .؟
قالوا: هناك محددات للخريطة الذهنية عند كل فرد وسموها المرشحات، وهي الحواس واللغة والمعتقدات والقيم والبرامج العالية. ولابد للمعلومات الواردة من العالم من المرور بها فالحواس محدودة واللغة لها عيوب تجعل الإنسان يفهم غير المقصود، والمعتقدات والقيم تجعل الإنسان يتقبل المعلومات التي توافق معتقداته وقيمه، والبرامج العالية هي طريقة الإنسان في معالجة المعلومات والتعامل معها، كل هذه الأمور تتضافر لتحدد الخريطة الذهنية عند الإنسان ..
فالفرضية الأولى: الخريطة ليست هي الواقع.
وأقول: إن درجة توكيد المعارف الإنسانية تتفاوت ولكن هل نستطيع أن نحصل على معرفة يقينية؟ وكيف؟
إن الإنسان يمتلك من الأدوات المجردة (العقل وأوّليّاته البسيطة أي البدهيات) والحواس ما يمكنه من الحصول على معرفة يقينية، وإليكم المثال الموضح التالي: يرى إنسان خوخة ذات لون بنفسجي فإذا تيقّنَ وجودَها بالبصر واللمس مثلاً وتيقّن بأن ما يراه وما يلمسه ليس خداع حواس، فيكون قد حصل على معرفة يقينية بوجودها. وربما يرى إنسان آخر الخوخة ذات لون أحمر قاتم على حين يراها الأول بنفسجية، وهنا يمكن أن ننسب تأثيرا ً للحواس في إطلاق الحكم مع عِلْمنا أن حقيقة المتناوَل واحدة فعِلْمُنا بوجود الخوخة يقيني وعلمنا بلونها ظني باختلاف الشخص لاختلاف مستقبلاته عن الآخر ..
والعلمُ علمان:
ـ1ـ علمٌ يقينيّ: أوضروريّ وهو ما لا يحصل عن نظر واستدلال كالعلم بالبدهيات القائلة: الكل أكبر من الجزء، لا يصدق النفي والإثبات بآن واحد، لكل فعل فاعل، وكذلك العلم الواقع بإحدى الحواس الخمس ولكن في ضوء تمحيص العقل.
ـ2ـ علمٌ كسبيّ: وهو الموقوف على النظر والاستدلال، ولا يخفى هنا تأثير التجارب في تفتح المعارف واكتسابها، وتقدم العلوم التجريبية وما يرافقها من اكتشافات وابتكارات ..
ولئلا يحصل التباس، أبيّنُ مُرادي بكلمة النظر و الاستدلال
فالنظر: هو جولان الفكر في حال المنظور إليه. والاستدلال: ببساطة، طلب الدليل. والظن: تجويز أمرين أحدهما أظهر من الآخر. والشك: تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر ..
ولابد للمعارف الداخلة في الاعتقاد أن تكون يقينية قطعية تعود إما إلى أوّليات عقلية أوالحواس، وما سواها لايكون يقينياً بل يكون تارة ظنياً ونشك فيه تارة أخرى عند عدم وجود مرجّح، ونطلق على العلم اليقيني كلمة اعتقاد.
أما الفلسفة فهي دراسة المبادئ الأولى وتفسير المعرفة تفسيراً عقلياً. واقتصرت في هذا العصر على المنطق والأخلاق وعلم الجمال وما وراء الطبيعة ..
¥