تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونجد هنا أنّ أوّل تطبيقات فرضيتهم ((الخريطة ليست هي الواقع)) هو تسفيه المعارف الإنسانية لاسيما القطعية منها المحصلة عن طريق الحواس في ضوء تمحيص العقل أو الاستنتاج العقلي المُلْزِم المستند إلى البدهيات. وقديما ً قالوا:

وليس يصح في الأذهان شيء ................. إذا احتاج النهار إلى دليل

وهل خلّد التاريخ اسم ديكارت في ميدان الفكر إلا بمثل قوله ((أنا أشك إذا ًأنا موجود)) وبذاك انتقل من عملية الشك إلى يقين الوجود فدحض مذهب الشكيين الشائع آنذاك وكذلك أرسطو الذي فنَّدَ مزاعم السفسطائيين الذين كانوا يحاولون إثبات الأمر وضده وأوضحَ الخلل الفكري والمزالق التي وقعوا بها. فهل يريد مروجو الـ NLP أن يعيدونا إلى تيه الشكيين وزيغ السفسطائيين. ونراهم في زعمهم هذا يركزون على عوامل التشويه في اكتساب المعارف وكأنها الأصل فيقولون إن الحواس تخدع ولها حدود، واللغة لها عيوب ويخلطون بين اللغة وتشويه مستعمليها فيقولون: عيوب اللغة:

1ـ التعميم. 2ـ الحذف. 3ـ التشويه.

وأقول: لا يصح إسناد العيوب إلى اللغة وإنما هي عيوب مستعمليها، و لا نسلم بأن ما ذكروه عيوبٌ، فكلنا يعلم أن التعميم والتخصيص من ميزات اللغة و ليس من عيوبها فالتعميم أن يشمل الحكم شيئين فصاعداً، و التخصيص تمييز بعض الجملة كالاستثناء و التقييد بالشرط والتقييد بالصفة، كأن أقول أقبل القوم إلا زيداً، فالإقبال حكم عام أخرجنا منه زيداً بالاستثناء؛ و أقول أعطني كلّ الورود الحمراء فكلمة كلّ تدل على العموم وخصصها النعت بالحمراء.

و كذلك يوجد في اللغة المُجْمَل و المفصّل والمطلق والمقيد و يستطيع المتكلم بفضل هذه الميزات أن يحرر مراده و يبيّنه بدقة وكل المعارف الإنسانية السابقة بل جُلّها انتقل إلينا عن طريق اللغة، ولا نرى وراء هذا التلبيس سوى إبعاد الناس عن المعارف و جعلهم يشكّون فيما وصلوا إليه ليسهل التحكم بهم و يتيسّر انقيادهم.

ـ التطبيق الثاني لهذه الفرضية هو جعل المتلقي ممانعاً للنصح و التصويب، فيكتفي بعد نقاش طويل معه حول موضوع ما وحشد الأدلة العلمية الواضحة أن يجيبك: الخريطة ليست هي الواقع! أي كلامك غير صحيح لأنّ خريطتك غير خريطتي وكلتاهما ليستا الواقع.

ـ والتطبيق الثالث الخطير فيها هو أنها مدخلٌ للمشككين والمخططين لنسف المفاهيم والمبادئ أياً كانت، و العابثين بالميزان العقلي. فما الضير في قَبول المنحرفين فكرياً وسلوكياً في صفوفنا؟ مادام لهم خريطة وهم معذورون لكونها لا تطابق الواقع، و هل هم منحرفون فعلاً؟ وما الدليل على ذلك؟ هل هو خريطتك التي لا تستطيع أن تثبت أنها الواقع؟ أم ماذا؟

ومن هنا نجد أن هذه النظرية؛ بادعاء أجوف باحترام الآخرين؛ تجعلُنا نشك في معارفنا ونتقبل الغزو الفكري المطبّق علينا ونقبل المنحرفين في صفوفنا بل ونعذرهم .... فأي عاقل يقبل بهذا أو يرضاه؟

وكلمة أخيرة على هذه الفرضية ((الخريطة ليست هي الواقع)) فنحن تلقيناها عبر اللغة التي لها عيوب ـ حسب زعمهم ـ والحواس التي تخدع ــ حسب قولهم ـ فلا قيمة علمية لها إن طبقناها على نفسها وكما يقولون: " مِنْ فِيك أ ُدِينُك "

العيش في الأوهام والهروب من الواقع بالخيال

قالوا: الإرساء هو ربط الحالة الذهنية بإشارة بصرية أو سمعية أو حسيّة بحيث يؤدي إطلاق الإشارة إلى حضور تلك الحالة الذهنية.

ويربطون خلال التدريب هذه الحالة من المشاعر المثارة بربطٍ ما عشوائي أي ليس هناك علاقة منطقية بين الرابط والمشاعر المثارة كأن يمسكوا ركبتهم أو أصبعهم أو ما شابه ونتيجة التدريب يصبح المنبه المرافق كافياً لإثارة المشاعر.

وأقول:إن ما يسمونه الإرساء يمكن أن نرده إلى أصله وهو الفعل المنعكس الشرطي الذي تمثله تجارب " بافلوف " حيث كان يقدم الطعام للكلب مع صوت جرس مرافق ((الطعام منبه أولي والجرس منبه ثانوي)) ويقيس مقدار إفراز الغدد اللعابية عند الكلب وبعد عدة مرات اكتفى بافلوف بصوت الجرس فرأى زيادة في إفراز الغدد اللعابية، مما حدا به إلى القول بأن المنبه الثانوي ((الجرس)) قادر على إثارة الاستجابة التي يقوم بها عادة المنبه الأولي ((الطعام)). فإذا قارنا بين المشاعر المثارة في الإرساء وإفراز اللعاب وكذلك بين الرابط كإمساك الركبة وصوت الجرس علمنا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير