مصدر عملية الإرساء عندهم! ولنا عليه عدة ملاحظات:
1 - إن بافلوف الذي قام بالتجربة كان يخدع الكلب بصوت الجرس الذي جعله في البداية مرافقاً للطعام ثم اكتفى به فيما بعد، على حين من يقوم بالإرساء هو الذي يخدع نفسه ويعلم أن لا رابطَ منطقياً بين المشاعر المثارة والمنبه الثانوي.
2 - إذا كررنا صوت الجرس دون طعام فإن الكلب لا يلبث أن يرى ذلك خدعة فينخفض إفراز اللعاب كلما تكرر الحادث دون طعام حتى يعود إلى سابق عهده بخلاف هؤلاء الذين يخدعون أنفسهم في أي وقت وبدرجات متقاربة.
3 - إن بافلوف لم يَدَّع ِ أنه أشبع الكلب بصوت الجرس بخلاف هؤلاء الذين يزعمون بأن استحضار المشاعر السارة يكون مجديا ً ويجعلك في قمّة السعادة ولكن ما مدى التعاسة والمرارة التي يعانيها المرء حين يعود إلى واقعه؟
وإن أقلّ ما يمكن قوله أن هذا انحدارٌ بالعقل إلى ردود أفعال الحيوانات، وخطورة عملية الإرساء تابعة لاستخدامها، وهي طريقة للهروب من الواقع الذي يصل في بعض الأحيان إلى الاختلال العقلي.
لنتصور الآن رجلاً يُساقُ للمحكمة و ربما حُكمَ عليه بالإعدام ظلماً و زوراً فنراه نتيجة هذا الضغط يقوم بعملية الإرساء ليتذكر حادثة سعيدة فنراه يضحك ولا يكترث لما حوله بدل التركيز على دفاعه وخلاصه من الظلم ... أليس هذا هو الجنون بعينه؟
. . . . طبعا ً ليست كل استخدامات الإرساء بهذا السوء ولكن تتفاوت بتفاوت المستخدمين وظروف الاستخدام، وربما كان التهرب من ضغوط الواقع علاجاً لبعض الحالات المرضية وأقول المرضية وهذا ينبغي أن يحدده الأطباء النفسيون وليس أدعياء العلم وأنصاف المتعلمين.
التواصل بين الناس
قالوا: عناصر الاتصال، يشترك في عملية التخاطب والاتصال الكلمات بنسبة (07/ 0) والنبرة الصوتية بنسبة (038/ 0) وتعبير الجسم بنسبة (055/ 0).
وأقول: إن تشويه المفاهيم يكون على درجات فمنها ما يتناول المفهوم كله بالتشويه والتغيير ومنها ما يتناول أجزاءه فيجعل الجزء الصغير الثانوي هو الأساس و يهمّش الجزء الأساسي، وهذا ولاشك يؤدي إلى انحراف المفاهيم. والتلاعب بحجوم الأشياء هو ما سلكوه في عناصر الاتصال: فكلنا يعلم أن نبرة الصوت لها أثرها وإشارات الجسم لها فعلها ولكن الكلام هو الأساس في التواصل؛ فبإمكانك أن تمسك المعجم وليكن مختار الصحاح مثلاً، وتقرأ مواده من أولها إلى آخرها وتحاول أن ترسم بجسدك معنى الكلمة لتوصلها إلى غيرك وعندئذٍ يظهر لك مقدار الكلمات التي بإمكانك إيصالها بلغة الجسد فتجد أنها جدُّ ضئيلة، فضلاً عن أنّ الكلمات الواردة في المعجم تعطيك معاني جديدة بمحاذاتها لأخرى لتعلم أن المعاني والمفاهيم الممكن تشكيلها بكلمات المعجم غير متناهية وهذا كله يجري بالتواصل الكلامي، فأين هذا الكم الهائل من النبرة و لغة الجسد؟
ونسأل: أانْتَقَلَت علوم الأقدمين إلينا بلغة الجسد و النبرة أم بالكلمات؟
وأيّ عاقل يصدق النِسَبَ التي وضعوها لنا! وعندنا أن لغة الجسد وحركة العيون و النبرة يزداد تأثيرها في حالات خاصة كالاستجواب، لاسيما في الجرائم و عند المنافقين الكذابين الذين لا وزن لكلامهم، فنحاول أن نتبين حقيقتهم من نبرة الصوت وحركة العيون و الجسد، و هذا ما يهتم به المحللون النفسيون للجرائم و المحققون بمراقبة استجواب المشتبه بهم.
العقل الواعي و العقل اللاواعي
" تناقضٌ في العنوان يدلُّ على خطأٍ في الأذهان "
إذا قلنا العقل الواعي فلا بأس أن نصف العقل بالوعي، أمّا أن نُسْنِدَ اللاوعي إلى العقل و نقول العقل اللاواعي فهذه تسمية لا نرضاها لأنها متناقضة في أساسها و ربما نقبل أن يُقال: العقل الواعي، و حالة اللاواعي.
قالوا: صفات العقل الواعي أنه موضوعي و منطقي , يدرك السبب والنتيجة، يقبل أو يرفض, يميز بين الخطأ والصواب والخير والشر، وبين الحلال و الحرام , يفرّق بين الحقيقة و الخيال يقود , يبرمج , يعي ما يحدث , يتعامل مع شئٍ واحد بعينه , تركيزه محدود , يبدأ عمله في سن الوعي و يعمل في اليقظة يتعب بتعب الإنسان , وينام بنومه و هو ما يميز الإنسان.
وأقول: يغلبُ على ما سبق الصواب و ربما نخالفهم بأن نقول بأنه يبدأ عمله لحظة الولادة وليس في هذا الخلاف ضير.
¥