وإن من عقوبة العقوق _ غير العقوبة الأخروية _ تعجيل العقوبة في الدنيا:
فقد رُوي عن أبي بكرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: كل الذنوب يؤخر الله تعالى ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الموت " رواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك وصححاه.وفيه بكار بن عبدالعزيز ضعيف.
و قال كعب الأحبار _ رحمه الله _: " إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقا لوالديه ليعجل له العذاب و أن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان بارا بوالديه ليزيده برا و خيرا "
عن وهب بن منبه _ رحمه الله _ قال: " إن الله تعالى أوحى إلى موسى صلوات الله و سلامه عليه يا موسى وقر والديك فإن من وقر والديه مددت في عمره و وهبت له ولدا يوقره و من عق والديه قصرت في عمره و وهبت له ولدا يعقه "
قال ابن أبي الدنيا: (حدثنا عبد الله قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال حدثنا سفيان بن عيينة عن داود بن شابور عن أبي قزعة رجل من أهل البصرة عنه أو عن غيره قال مررنا في بعض المياه التي بيننا وبين البصرة فسمعنا نهيق حمار فقلنا لهم ما هذا النهيق؟
قالوا: هذا رجل كان عندنا كانت أمه تكلمه بشيء فيقول لها انهقي نهيقك، قال غير إسحاق: فكانت أمه تقول جعلك الله حمار فلما مات سمع هذا النهيق عند قبره كل ليلة) من عاش بعد الموت (ص 27) ومجابو الدعوة (ص 84)
3 / أن يتذكر المرء فضلهما عليه:
قال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون}
وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون}
قال الشاعر:
لأمك حق لو علمت كثير ... كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي ... لها من جواها أنة و زفير
و في الوضع لو تدري عليها مشقة ... فمن غصص منها الفؤاد يطير
و كم غسلت عنك الأذى بيمينها ... و ما حجرها إلا لديك سرير
و تفديك بما تشتكيه بنفسها ... ومن ثديها شرب لديك نمير
و كم مرة جاعت و أعطتك قوتها ... حنانا و إشفاقا و أنت صغير
فآها لذي عقل و يتبع الهوى ... و آها لأعمى القلب و هو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها ... فأنت لما تدعو إليه فقير
4 / أن ينظر المرء في هدي الأنبياء والصالحين في برهم لآبائهم ومن ذلك:
أن إبراهيم خليل الرحمن أبا الأنبياء وإمام الحنفاء عليه السلام يخاطب أباه بالرفق واللطف واللين - مع أنه كان كافراً - إذ قال: (يا أبت) وهو يدعوه لعبادة الله وحده، وترك الشرك، ولما أعرض أبوه وهدده بالضرب والطرد، لم يزد على قوله: {سََلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بي حَفِيّاً}
ويقول تعالى عن يحيى بن زكريا عليهما السلام: {وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً}
والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما مرّ على قبر والدته آمنة بنت وهب بالأبواء حيث دفنت - وهو مكان بين مكة والمدينة - ومعه أصحابه وجيشه وعددهم ألف فارس، وذلك عام الحديبية، فتوقف وذهب يزور قبر أمه، فبكى رسول الله - بأبي هو وأمي - وأبكى من حوله، وقال: استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة " رواه البغوي في شرح السنة، واصله في صحيح مسلم.
أما بر السلف فالقصص فيه كثيرة ومن ذلك:
أن أبا هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - كان إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً.
¥