تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

32. الدفع هو الرد فيرد باليد بالأسهل فالأسهل والمقاتلة هي الرد بالأشد إذا لم يندفع بالأسهل وليس معنى المقاتلة السب والشتم لأن بعضهم قال إن المراد بالمقاتلة هنا السب والشتم لأنه يأتي القتل والقتال والمقاتلة بمعناه كما في قوله عليه الصلاة والسلام (قاتل الله اليهود) أي لعنهم الله لكن ليس المراد بالمقاتلة ذلك لأنه ينافي المقصود من الصلاة ومبطلٌ لها.

33. مسألة: كيف تدفع المرأة لأنها تدخل في الحديث بقوله (فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه) لأن لفظ (أحد) يشمل المرأة؟ الجواب: عليه أن يتقدم إلى السترة كيلا تمر بين يديه كما تقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجدار لكن ماذا لو تقدم إلى السترة ومع ذلك مرت كما لو كانت عمياء أو غافلة أو تتبع ولي أمرها في أيام المواسم؟ إما أن يقال عليه أن يدفعها وإن ترتب على ذلك مس بدن المرأة وإما أن يقال عليه أن يدعها تمر ويستأنف صلاته ارتكاباً لأخف الضررين لكنهم يقررون في مثل هذه الحالة أن المشقة تجلب التيسير فيدعها تمر ولا يستأنف صلاته.

34. جاء في حديث الخط عن أبي هريرة قوله (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً) وإطلاق الشيء يدل على أن الاستتار يحصل بأدنى شيء لأنه نكرة في سياق الشرط فتعم أي شيء يمكن أن يطلق عليه شيء صَغُرَ أو كَبُر طال أو قَصُر عَرُضَ أو دق لكنه قال في الجملة التي تليها (فإن لم يجد فلينصب عصا) ومعلوم أن العصا شيء من الأشياء والأصل أن تكون الجملة الأولى أكمل من التي تليها المخفف فيها لكن يقال إنه نص على العصا لأنه يغلب وجودها.

35. دل الحديث على أنه إن لم يجد العصا فإنه يخط خطاً إذا كانت الأرض تراباً وإن لم تكن تراباً وكان معه شيء له لون فإنه يخط به فإذا فعل ذلك لم يضره شيء مر بين يديه.

36. حديث الخط قال فيه الحافظ (ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حديث حسن) والذي زعم أنه مضطرب بل ذكره مثالاً للمضطرب هو ابن الصلاح في علوم الحديث.

37. الحديث المضطرب هو الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية في الثبوت لأنه إذا أمكن ترجيح بعضها على بعض انتفى الاضطراب.

38. إذا روي الحديث من وجه واحد فلا اضطراب وكذلك إذا روي من أوجه مختلفة لكنها متحدة ومتفقة في الدلالة فلا اضطراب.

39. لا شك أن حديث الخط مروي على أوجه وهذه الأوجه بينها اختلاف وتفاوت كبير لم تتحد رواتها وهي أيضاً من وجهة نظر ابن الصلاح متساوية بمعنى أنه لم يستطع أن يرجح بعض هذه الأوجه على بعض والحافظ ابن حجر رجح بعض الطرق على بعض فانتفى عنده الاضطراب لكن نفي الاضطراب بإمكان الترجيح لا ينفي ضعف بعض الرواة فالحديث ضعيف وإن أمكن ترجيح بعض طرقه على بعض ولذا قال سفيان بن عيينة (لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث) وكان اسماعيل بن أمية إذا حدث بهذا الحديث يقول (هل عندكم شيء تشدونه به) وأشار الإمام الشافعي وغيره إلى ضعفه على أن الضعف ليس بشديد ولذا يقول بعضهم لا بأس به في مثل هذا الحكم لأن ضعفه ليس بشديد.

40. على فرض ثبوت حديث الخط: منهم من يقول إن الخط يوضع بين المصلي وبين من يمر بين يديه ممتد من اليمين إلى الشمال كالجنازة ومنهم من يقول إنه يوضع طولاً لأن الخط في الحديث قائم مقام العصا ومنهم من يقول إنه يوضع بما يشبه الهلال نصف دائرة كالمحراب.

41. بعض المعاصرين ممن يحقق الكتب يقول في الحكم على بعض الأحاديث (ضعيف وإن صححه أحمد وابن المديني) ويقول (صحيح وإن ضعفه الشافعي والبيهقي) وهذا سوء أدب ولا يليق بطالب العلم بل يكفي أن تبين وجهة نظرك مع احترام الأئمة وإجلالهم لأنك ما وصلت إلى ما وصلت إليه من علم إن كان لديك علم إلا من طريقهم.

42. حديث أبي سعيد (لا يقطع الصلاة شيء وادرؤوا ما استطعتم) ضعيف لأن في إسناده مجالد بن سعيد. قال الإمام أحمد (ليس بشيء) وقال ابن معين (لا يحتج به).

43. من أهل العلم من يرى أن هذا الحديث ناسخ لحديث أبي ذر (يقطع صلاة الرجل المسلم) فيقول إن حديث أبي ذر منسوخ وما جاء في معناه منسوخ بهذا الحديث لكن يقال إن هذا الحديث ضعيف ثم إنه لا بد من معرفة التاريخ لنحكم بالنسخ.

44. قاعدة: الحديث إذا ضُعِّف ولا يوجد له ما يسنده ويدعمه فإنه لا يُتَكلَّف اعتبارُه لكن قد يفترض ثبوته من باب التمرين على التوفيق بين الأحاديث المتعارضة.

45. قوله (لا يقطع الصلاة شيء) يحتمل الحدث وقوله (وادرؤوا ما استطعتم) يحتمل أن يكون المراد ادفعوا هذه الأحداث بقدر الاستطاعة فإن خرج شيء بغير استطاعتكم دفعه فإنه لا يقطع الصلاة لكن لما كان الحدث يقطع الصلاة إجماعاً علمنا أن هذا الاحتمال ليس مراداً هنا وعليه فالشيء في هذا الحديث لا بد أن يحمل على ما جاء في الأحاديث الأخرى من الأمور التي جاء التنصيص على أنها تقطع الصلاة.

46. وليس معنى (لا يقطع الصلاة شيء) لا ينقص ثوابها لأنه يوجد ما ينقص الثواب قطعاً بالنصوص الأخرى.

47. فعلى فرض صحة هذا الخبر يقال إن المراد بالقطع فيه هو البطلان وعليه فمرور هذه الأشياء لا يبطل الصلاة ويقال إن المراد بالقطع في الأحاديث الأخرى هو نقصان الثواب فمعنى قوله (يقطع صلاة الرجل المسلم) ينقص ثوابها لكن على كل حال الحديث ضعيف وإنما جيء بمثل هذا الكلام للتمرين على التوفيق بين الأحاديث المتعارضة في ظاهرها (ليُعلَم أن هذه الفائدة الأخيرة إنما كتبتها بناءً على فهمي لكلام الشيخ وعليه فلا يحل ولا يجوز نسبة هذا القول إلى الشيخ إلا بعد التأكد إما بالرجوع إلى الدرس أو بسؤال الشيخ).

تم الشروع في تقييد فوائد هذا الشرح المبارك ليلة الثلاثاء السابع عشر من صفر عام ثمانيةٍ وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية المباركة, وتم الفراغ من تقييد فوائده ليلة الخميس التاسع عشر من صفر, وكان ذلك قرب برلين في مدينة من مدن الكفار الحقيرة يقال لها (درسدن) بألمانيا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير