تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الصافية جدَّاً، أدنى شيء يؤثِّر فيها، ولهذا تشوهه اللحظة واللفظة والشهوة الخفيِّة) (الفوائد لابن القيم/42)

ويقصد ـ رحمه الله ـ باللحظة: النظر إلى ماحرَّم الله. واللفظة: الكلام الذي يتكلم به الإنسان سواء من شرك بالله، أوالكلام الذي لا يلقي له بالاً يقذف به في النار سبعين خريفاً. والشهوة الخفية: إمَّا أنَّها حب الرئاسة والإمارة، أو أنَّها الرياء وعدم الإخلاص لله.

ولهذا فإنَّه ـ تعالى ـ يوصي الصحابة، ومن بعدهم من أهل الإيمان، بالإيمان بالله ورسوله، وإن كانوا مؤمنين، ليؤكد عليهم هذا المبدأ الثمين، حتى يقوى إيمانهم بالله، وتشتد قلوبهم على تحمُّل ما يرضيه ـ سبحانه ـ فيقول ـ تعالى ـ: (يا أيَّها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذين نزَّل على رسوله) فهنا يدعو ـ جلَّ جلاله ـ أهل الإيمان إلى زيادة الإيمان بالله، وقوَّة الإصرار على ذلك، لأنَّه ليس كلَّ من قال لاإله إلَّا الله، وأظهر إيمانه باليوم الآخر يكون مسلماً؛ويدلُّ لذلك ـ قوله تعالى ـ: (ومن الناس من يقول آمنَّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين*يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون).

3ـ لاشكَّ أن الأمر بهذه الآية ليس خاصاً بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فحسب؛ وعليه فإنَّ علاج الخلل في التوحيد، وكما أنَّه يتمُّ بدرء الخلل عنه، وتخلية القلب منه، إلَّا أنه يحتاج إلى تمكين عرى الإيمان، وعُقَدِ التوحيد في القلب، وتحليته به، ليخالط بشاشة الإيمان القلوب، فيتم بذلك تخلية وتحلية، وكما يقول الأصوليون: التخلية قبل التحلية، فيخلِّي الإنسان عن قلبه شوائب الانحراف العقدي، ويحليه ببلسم الإيمان، وصفاء الاعتقاد، ونقاوة التوحيد.

والحقيقة أنَّ أيَّ خلل طارئ على من وحَّد الله، لا يكون ذلك إلَّا بعدة أشياء، ومن ألزمها ذكراً:

أ ـ ضعف مراقبة الله، وقلَّة الوازع الديني الذي ينبغي أن يتنامى في القلب، حتى لا يكون القلب كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً.

ب ـ ضعف ارتباط العبد بربه من نواحي العبادة كالرجاء والخوف والمحبة والاستعانة والاستغاثة، وقلة الانطراح بين يديه، والانكباب على عتبة بابه، مع أنَّ هذا الأمر من أشدِّ الأمور، التي لزمها الأنبياء والأولياء الصالحون، ومنهم إبراهيم ـ عليه السلام ـ حيث كان داعية للتوحيد، ومحطماً لأوثان المشركين، ومع هذا فقد خاف على نفسه من أن تشاب بلوثات شركية، فقال لربه داعياً: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) (سورة إبراهيم /35) ومكمن المسألة في ذلك؛ دعاء إبرهيم ربَّه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام. ثمَّ يبين إبراهيم ـ عليه السلام ـ سبب دعائه، فيقول: (ربِّ إنَّهنَّ أضللن كثيراً من الناس) ولهذا علَّق الإمام إبراهيم التيمي على قول إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ قائلاً: ومن يأمن البلاء بعد أبو الأنبياء إبراهيم ـ عليه السلام ـ؟ (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، للشيخ: عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ/ صـ 74)

ومما يستنتج من دعائه ـ عليه السلام ـ أن الأشياء التي تعبد من دون الله، قد يكون لها حجم واسع من التأثير على الناس، بإضلالهم عن الصراط المستقيم، ويمثِّل أهل العلم عليه بأمثلة، أقتصر على أحدها: وهو أن يأتي شخص يدعو أحد الطواغيت التي يقصدها بالدعاء من دون الله، ويرجوها بأن يمنَّ الله على زوجته العقيم، بأن تنجب طفلاً، بعد عشر سنوات، ثمَّ يفاجأ بمن يبشِّره بعد أشهر قليلة بطفل يتكوَّر في بطن زوجته، فيطير فرحاً، ويذهب لذلك الطاغوت، ويشكره، ويزداد تعلقه به، وهكذا مع العلم بأنَّ هذا الرجل الذي دعا غير الله، أراد الله أن يرزقه الولد وقت دعائه، فيرزق الولد بمشيئة الله وإرادته الكونية القدرية، وليس بإرادة الذي لا يسمع ولا يبصر، فيفتن الرجل بذلك الطاغوت، ويلتجئ إليه في سرِّه وعلانيته، وفي شدَّته ورخائه ـ عياذاً بالله ـ (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً).

4 ـ في هذه الآية تنبيه لبعض الدعاة القائلين بأنَّ قضية التوحيد سهلة، ولاتحتاج إلى ذلك التكثيف العلمي والتعليمي، أو أنَّ لدينا من هموم الأمة ما يحوجنا بالكلام عنها أكثر من قضية باتت معروفة في أذهان المسلمين، والجواب عن ذلك:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير