تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما يظهر على اللسان لا بد وأن يترجم ما في الصدور، فلو أن فلانا يحب آخر في قلبه وأراد أن يخبره بأنه يحبه فقال له إني أبغضك، فلا يقبل هذا منه ولا يفهم من لفظه إلا بغضه لهذا الشخص،ولكن قد يعذر ذلك الشخص أحيانا بعبارته تلك إن كان يعرف منه بالدلائل والبراهين أنه اخطأ في عبارته تلك كأن يكون أعجمي فأراد أن يتكلم العربية فخانه اللفظ، فلا بد وأن يعلم هذا الشخص ويعرف على كيفية تصحيح الخطأ، ولا يصح لمن اعترض عليه عبارته تلك وطالبه بتصحيحها الاعتراض عليه بأنه لا يقصد أن يصرح لك ببغضه فيجب أن لا تنكر عليه، فالسكوت عليه يجعله يستمر في خطئه ويجعل ممن يجهل حقيقة هذا اللفظ أن يظن صحته فيصبح متداولا عند الكثير

أو شخصا آخر طلب منه أن يضع لوحة وفيها سهم يشير إلى أن الطريق إلى مكة بالاتجاه الشمال، وإذا به يضع خطأ السهم بالاتجاه الغربي، فهل يسكت عنه لأنه لا يقصد تضليل الناس أم لا بد له من تصحيح الخطأ وتنبيه الناس على الخطأ الذي وقع فيه.

رابعا: قد جاء في الشريعة ما يدل على وجوب تصحيح الألفاظ بدون النظر إلى المقصد.

فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (104) سورة البقرة

فجاء في هذه الآية الكريمة النهي عن استعمال لفظ مجمل يحتمل معنيين، لأن إحدى المعنيين يحتمل لفظا مسيئا مع صحة ذلك اللفظ ولكن خوفا من وضع اللفظ الفاسد في غير موضعه أو فهم اللفظ على المعنى الفاسد نهى الله عز وجل المؤمنين على مخاطبة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم به، وبدون النظر إلى مقاصدهم في استعمال هذا اللفظ، فكيف بنا ونحن مع لفظ لا يحتمل إلا المعنى الفاسد

بل إن استعمال العبارات والألفاظ الخاطئة قد تؤدي إلى الكفر أحيانا دون الرجوع إلى المقاصد.

قال تعالى في حق الركب الذين تكلموا في الصحابة وقالوا " ما رأينا مثل قراءنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء:

{لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (66) سورة التوبة

فذهبوا إلى الرسول يعتذرون إليه وقالوا ما كنا نقصد ذلك، وإنما كنا نتحدث حديث الركب، فلم يلتفت إليهم الرسول ولا يزيد على قوله تعالى ** {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ، لا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (66) سورة التوبة

فهؤلاء لم يقصدوا الاستهزاء والسخرية وتكلموا بألفاظ وعبارات غير التي قصدوها ومع ذلك حكم الله عليهم بالكفر.

الشبهة الثانية:

قال البعض أن هذه الأبيات استلهما الشابي من آيات من القرآن الكريم، وهذا على قول من يعتذر له ويريد

أن يصحح لفظه من قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (7) سورة محمد

وقوله تعالى:

{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر

وقوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (11) سورة الرعد

وغيرها كثير.

أقول:

هذا هو بيت الشعر الذي قاله الشابي ولننظر مدى صحة استلهامه من هذه الأبيات

يقول:

"إذا الشعب يوما أراد الحياة ..... فلا بد وأن يستجيب القدر "

فإنك إذا تأملت العبارة بل وبدون تأمل فإنك لا تفهم منها إلا معنى واحدا، فبيت الشعر هذا ليست الفاظه من الألفاظ المجملة حتى نقول أنه يحتمل أكثر من معنىمع العلم أننيقد بينت أن اللفظ إن كان يحتمل معنى فاسدا لإحدى معانيه ينبغي تركه حتى لا يقع فيه التوهم، فكيف وإن كان بيت من الشعر كهذا لا يحتمل إلا معنى واحدا

وإن أردنا أن بين معناه لن نجد له معنى أكثر وضوحا مما قاله الشاعر:

إذا الشعب يوما أراد الحياة:

ينبغي علينا أولا أن نقف على المعنى المراد به الشعب

فهل لفظ الشعب هنا لفظ مطلق أم مقيد، ولفظ الحياة لفظ مطلق أم مقيد

شعب مسلم، شعب يهودي، شعب نصراني، شعب بوذي، شعب الحادي، ...... ؟؟!!!.

حياة دينية، حياة حرية وعزة وكرامة، حياة ذل واستسلام، حياة ظلم وقهر وجبروت، ........ ؟؟!!!.

من هو الشعب المقصود الذي أراده الشاعر في بيته، وما هي الحياة التي يريدها ذلك الشعب هذا حتى يقف القدر عاجزا أمام ارادتهما _ عياذا بالله _

مما لا شك فيه أن الشاعر قد اطلق ولم يقيد ومن قال أن الشاعر أراد الشعب المسلم، أو حياة الشرع والإسلام نقول له كذبت وخبت وخسرت، لأننا إن قبلنا اعذارك للشاعر في المرة الأولى فلن نقبله في الثانية فلا يوجد ما يدل على هذا أبدا وإن وجد فاللفظ أيضا لا يخدمكما

وعلى كل فليتختار أيها المعتذر ما شئت من الشعوب جوابا عنه، فأقول لك: لو أن الشعب الذي اخترته أراد حياة الظلم والتعدي على الآخرين لجبروته وقهره وظلمه، فما موقف القدر حينئذ، ولو أراد السلام والإستسلام مع العدو وترك الجهاد، فما هو موقف القدر حينئذ من شعرك، ......... وما إلى ذلك

أما إن قلت إن اراد الدين والشرع فنقول لك

أولا: حتى هذا لا يسلم لك لأن الشاعر لم يقيده بذلك

وثانيا: قد يعمل الإنسان لنصرة دينه ولكن لا يستجاب له في الحال وقد يؤخر الله عليه النصر ابتلاء ولحكمة هو أرادها

وثالثا: إن تحقق ما تظنه ارادة الشعب في النصر فإنما يكون لاستجابتهم لأمر الله فجازاهم الله بذلك النصر الذي وعدهم إياه بإرادته ومشيئته وليس لأنهم هم من أرادوا ذلك.

وبهذا يتضح الفرق بين مفهوم آيات القرآن الكريم، وبين معنى بيت الشعر الفاسد الذي لا يتبعه إلا الغاوون.

والحمد لله رب العالمين.

فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان

أخوكم / أحمد بوادي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير