المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له فهو على هذه الصفة إلا أن يثبت على أحد ارتكاب ما لا يحتمل إلا قصد المعصية والخروج من باب التأويل فيحكم بسقوط العدالة , وقد برأهم الله من ذلك ورفع أقدارهم عنه على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيؤن من بعدهم أبد الآبدين هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء.
وذهبت طائفة من أهل البدع إلى أن حال الصحابة كانت مرضية إلى وقت الحروب التي ظهرت بينهم وسفك بعضهم دماء بعض فصار أهل تلك الحروب ساقطي العدالة , ولما اختلطوا بأهل النزاهة وجب البحث عن أمور الرواة منهم , وليس في أهل الدين والمتحققين بالعلم من يصرف إليهم خبر ما لا يحتمل نوعا من التأويل وضربا من الاجتهاد فهم بمثابة المخالفين من الفقهاء المجتهدين في تأويل الأحكام لإشكال الأمر والتباسه ويجب أن يكونوا على الأصل الذي قدمناه من حال العدالة والرضا إذ لم يثبت ما يزيل ذلك عنهم.
ثم ساق بسنده إلى أحمد بن محمد بن سليمان التستري قال سمعت أبا زرعة يقول: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم انه زنديق وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة.
وقد أقره الحافظ ابن حجر والسخاوي فتح المغيث (3
108)
وقال النووي: فإن الصحابة رضي الله عنهم كلهم هم صفوة الناس وسادات الأمة وأفضل ممن بعدهم , وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم , وإنما جاء التخليط ممن بعدهم وفيمن بعدهم كانت النخالة.
شرح النووي (12
216)
وقال الشوكاني رحمه الله: اعلم أن ما ذكرناه من وجوب تقديم البحث عن عدالة الراوي إنما هو في غير الصحابة؛ فأما فيهم فلا لأن الأصل فيهم العدالة فتقبل روايتهم من غير بحث عن أحوالهم حكاه ابن الحاجب عن الأكثرين.
قال القاضي: هو قول السلف وجمهور الخلف وقال الجويني بالإجماع؛ ووجه هذا القول ما ورد من العمومات المقتضية لتعديلهم كتابا وسنة ....
إرشاد الفحول (101)
والنقول في ذلك كثيرة جدا عن العلماء.
2 - تذبذب المخالف في هذه المسألة فهو يقرر أن الصحابة عدول , ويعني بذلك المهاجرين والأنصار - على استحياء - ثم يقرر أنه لم يجد نصا صحيحا صريحا في استثناء الصحابة أصحاب الصحبة الشرعية فضلا عن غيرهم من أصحاب الصحبة العامة ...
وقال أيضا: الأدلة التي استدل بها القائلون بعدالة كل الصحابة كلها أدلة غير صريحة في عدالة كل فرد ممن ترجم له في الصحابة بل ولا يصح إطلاق العدالة العامة إلا في المهاجرين والأنصار ومن في حكمهم من حيث الإجمال أيضا ....
3 - ما الهدف من تقرير رد عدالة الصحابة إلا فتح الباب للروافض وغيرهم من المنحريفين ليتسنى لهم الطعن والقدح في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل المخالف فقد لمز بعض الصحابة وتطاول عليهم كما سيأتي.
4 - الذي يلجأ إلى أسئلة المكابرة هو المخالف الذي يقول: فالذي يأتي ليدافع عن أمثال الوليد بن عقبة وبسر بن أبي أرطأة وأبي الأعور السلمي وأمثالهم ([7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn7)) بأنهم صحابة – حسب المفهوم الواسع للصحبة- محتجا بأن الله أثنى على الصحابة وعلى التسليم له بأن الثناء يشمل صحابة الكافة (الخاصة والعامة) فهذا المدافع بمنزلة ذلك المحامي في سوء الفهم وضعف العقل أو السخرية بأساليب لغة العرب فهذا من أدلتنا العقلية ...
المسألة الثالثة: وهي التي أشار إليها في ص 242
لكنني أرى أن بعض المؤمنين في العصور المتأخرة قد يكونون أفضل من بعض المهاجرين والأنصار وأن منع التفاضل إنما هو في تفضيل من بعد الحديبية على من قبلهم أما من لم يدرك ذلك الزمان ولم يجد له على الحق أعوانا فقد يكون له أجر خمسين من أصحاب الصحبة الشرعية ... وملت لهذا الرأي بعد جمع النصوص التي تبدوا متعارضة ...
¥