تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد دخلت المئات من المعاني الغربية إلى اللغة العربية بواسطة الصحف والمجلات المصرية والشامية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين، فما وجدوا له مقابلاً عربياً يصلح لأداء المعنى ترجموه به، فيصير للكلمة العربية معنى جديداً يطغى على معناها القديم، وما لم يجدوا له مقابلاً صنعوا له كلمة عربية جديدة، أو استوردوا الكلمة الإفرنجية وأدخلوها إلى القاموس العربي الدارج. وبالطبع تتعدد الاجتهادات في نقل الكلمة الواحدة، ويكتب لبعضها الشيوع والذيوع والقبول عند الناس دون بعض.

فمن أمثلة القسم الأول: سيارة وطائرة وهاتف وحاسب وجوال ويمين ويسار (بالمعنى السياسي)، وإنسان (بالمعنى المشار إليه).

ومن أمثلة القسم الثاني: تقنية

من أمثلة القسم الثالث: أوتومبيل وتلفون وكمبيوتر وموبايل وهاردسك

والأمثلة لا تكاد تعد ولا تحصى.

ولا يخفى أن معظم أولئك المترجمين والكتّاب كانت صلتهم بالقرآن والتراث العربي ضعيفة، وكثير منهم كانوا إما نصارى وإما علمانيين، فلذلك صار عملهم تعميراً للعربية في ظاهرة، وتدميراً لها في حقيقته. انظر مثلاً إلى كلمتي (النصارى والروم)، وهما كلمتان قرآنيتان خفيفتان، كيف سقطتا من الاستعمال اليومي أمام الكلمتين الغربيتين (المسيحيين المترجمة، والرومان المعرَّبة)، وصرنا نسمي بحر الروم: البحر الأبيض، وبحر القلزم: البحر الأحمر!

وامتدَّ البلاء من المفردات إلى الجمل والأساليب، كقولنا: صباح الخير، مساء الخير، بالنسبة إلى كذا، بعضهم البعض. بل صار جزء من الجملة يكتب بالحروف الإفرنجية، كقولهم منطوقاً ومكتوباً: (استمعت إلى كذا في إذاعة M.B.C.-FM)، ويحرصون كل الحرص على الدقة المطلقة في كتابة النقاط وعلامات الترقيم، لشدة تقديسهم للجملة الأجنبية! وأما الجملة العربية فقد قرَّروا منذ مائة سنة عدم ضبطها بالحركات ولو لأجل الضرورة القصوى، لأن اللغات الأوربية ليس فيها حركات! فتجد المذيعين والمثقفين ـ بل رؤساء الدول - يخطئون في قراءة الكلمات ذاتها، فضلاً عن الخطأ في إعرابها، لأنهم يقرأون نصوصاً غير مشكولة ولو في حدود 1% من الحروف.

وكثيراً ما أضحك عندما أقرأ على واجهات المحلات (الفروج اللذيذ، أو الفروج الأمريكي، أو فروج كذا وكذا)، هكذا بلا تشديد، فأقول لمن حولي: فُرُوج أم فَرُّوج!

ثمَّ استطار البلاء إلى المصطلحات المعبِّرة عن الأعراف والقيم الاجتماعية، فصارت أسماء الرجال والنساء كأسمائهم (حسني مبارك - جيهان السادات).

فمدار الموضوع كله على الاستيراد الثقافي، أي استيراد اللغة والقيم وأنماط التفكير والأعراف الاجتماعية، ولا أقول كما يقول جمهور الناس: الغزو الثقافي! لأن مصطلح (الغزو الثقافي) مضلِّل، ويخفي حقيقة الواقع، وهي أن هذا الاختراق حصل على يد الطبقة المستغربة التي آمنت بالغرب وثقافته وحضارته ولغاته، حتى قال طه حسين: إن الإصلاح يجب أن يبدأ عندنا بتدريس أساطير اليونان والرومان، لأننا جميعاً بين مستغرب وبين متلّهف إلى الاستغراب، والذي يأكل بأصابعه يتطلَّع إلى أن يأكل بالشوكة والملعقة، أو كما قال!

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[22 - 11 - 07, 08:40 م]ـ

قال الطوفي في [الإكسير] وأصله عند ابن الأثير:

((أما حذف الصفة، فإنما يحسن إذا ساوق الكلام ما يدل عليها من تعظيم أو تفخيم ونحوه، فيجوز: كان زيد والله رجلا، واعتبرت عمرا فوجدته إنسانا، أي رجلا فاضلا، وإنسانا كاملا، لدلالة الحال على تعظيمك له، ولزوم تحصيل الحاصل من تقدير عدم إرادة الصفة، ولهذا لو قلت: رأيت رجلا، أو كان زيد رجلا ولم يقترن به شيء من ذلك لم يفد))

وهذا نص ابن الأثير في المثل السائر:

(( .... وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته، وهو أن يكون في مدح إنسان والثناء عليه فتقول: كان والله رجلا، أي رجلا فاضلا، أو شجاعا أو كريما، أو ما جرى هذا المجرى من الصفات، وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنسانا، أي إنسانا سمحا أو جوادًا، أو ما أشبهه، فعلى هذا ونحوه تحذف الصفة، فأما إن عريت عن الدلالة عليها من اللفظ أو الحال فإن حذفها لا يجوز))

فالعبرة بما دل عليه سياق الكلام من الدلالة على الصفة المحذوفة، وسياق الكلام المعاصر في مثل العبارة التي نقلها شيخنا المسيطير يدل على أن المراد (الرحيم) أو (الرؤوف) أو (العطوف) أو نحو ذلك.

المقصود أن أصل الكلام: (إنسان رحيم) (إنسان رءوف) ... إلخ، ثم كثر الاستعمال حتى صار ذكر (الإنسان) كافيا في بيان الصفة؛ إذ المراد أشهر الصفات وأسرعها ورودا إلى الذهن عند ذكر الإنسان.

كما نقول: (فلان الرجل)، فليس المراد الوصف بالذكورة، وإنما المقصود الوصف بأخص صفات الرجل وهي النجدة والشجاعة ونحو ذلك.

وكما نقول: (فلان الحر)، فليس المراد أنه ليس عبدا، وإنما المقصود الوصف بأخص صفات الحر، وهي الأنفة والمروءة والتنزه عن السفاسف، ونحو ذلك.

فكذلك نقول: (فلان الإنسان)، فليس المراد التحرز من كونه حيوانا!! لأن هذا مفهوم بداهة أو هو تحصيل للحاصل، وإنما المراد أخص صفات الإنسان، وهذه الصفات قد تختلف من عصر لعصر، وقد شاع في عصرنا أن المراد من ذلك الرحمة والسماحة ونحو ذلك.

وكذلك في النفي، نقول: (فلان ليس بإنسان)، أي هو فاقد للصفات المستحسنة في الإنسان من نحو العقل والرحمة ونحو ذلك.

ونقول: (هذا ليس بشيء)، أي ليس بشيء ذي قيمة، أو ليس بشيء جيد، أو غير ذلك مما يدل عليه السياق، وليس المراد - كما هو واضح - أنه ليس بشيء مطلقا.

والله تعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير