الحديث الحث على متابعة السعي وعدم الكسل وأن يكون المسلم نافعاً لنفسه ولولده ولمن تحت يده ولأمته. قال الله تعالى (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) أي ليستمر عملك ونصبك وتعبك وعرقك إلى أن تموت وأنت على هذه الحال.
فائدة: يفهم من قوله تعالى (ولا تنس نصيبك من الدنيا) أن الأصل في المسلم أن يكون عمله محضاً للآخرة, ولذا وُجِّه إلى ألا ينسى الدنيا, ليستعين بها على تحقيق الهدف وهو العبودية.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ, وَالْأَرْبَعَةُ.
هذا من أجل أن يكون آخر ما ينطق به المسلم (لا إله إلا الله) وقد جاء في الحديث الصحيح (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) فتلقين الشهادة مستحب. وقوله (موتاكم) يعني من قربت وفاته من المسلمين, والموتى جمع ميِّت وهو من سيموت, لا أنه يلقن الشهادة بعد وفاته, لأنه قال (من كان آخر كلامه من الدنيا) وقد انتقل من هذه الدنيا فلا تنفعه, والميت لا يقبل التلقين ولا يسمع ولا يرد الجواب, والمراد تلقين من يقبل التلقين ليقول (لا إله إلا الله) ويختم بها حياته.
المغمى عليه يلقن إذا ظهرت عليه علامات الموت, لأنه ما دامت روحه في جسده فهو في حكم من يسمع, ولعموم الحديث, ولأنه قد يسمع التلقين فيقولها حسب استطاعته, ولو بالطريقة التي يعلمها الله جل وعلا وإن لم يعلمها البشر. ويلقن أيضاً من قرر الأطباء أنه مات دماغياً, وكلام الأطباء يغلب على الظن ثبوته والواقع يشهد بذلك لكنه ليس بقطعي, بدليل قصة واقعة, وهي أن شخصاً قرر ثلاثة أطباء أنه مات دماغياً, وأُحضِر إخوته الأربعة من أجل أن يتبرعوا بأعضائه, فوافق ثلاثة وامتنع الرابع بحجة أن أخاه لم يوصِ وأنهم لا يملكون التصرف في أعضائه, ثم أفاق أخوهم بعد ذلك, فصارت العداوة بينه وبين إخوته الثلاثة, وصار أخوه الرابع أحب إليه حتى من نفسه وولده, وذكر أنه يسمع كل ما دار بينهم. فمثل هذا إذا وصل إلى هذا الحد فإنه يدخل في عموم الحديث ويلقن.
تنبيه: المتجه المنع من التبرع بالأعضاء, لا من الشخص نفسه ولا من غيره, لأنه لا يملك ذلك.
عيادة المريض سنة, ولو كان لا يحس بمن حوله, وقد ترجم البخاري رحمه الله بقوله (باب زيارة المغمى عليه) وزار النبي عليه الصلاة والسلام جابر بن عبد الله وهو مغمىً عليه, فللمسلم كامل الحقوق ما دامت روحه في جسده, ولا يجوز التعدي عليه بحال ما لم تفارق روحه بدنه.
لا يجوز رفع الأجهزة عن المريض الذي إذا رفعت عنه مات بحجة أنه يحجز السرير والأجهزة لمدة طويلة, لأنه مسلم له كامل الحقوق ما دامت روحه في بدنه. لكن قد ينظر في ذلك فيما لو حضر مريضٌ آخر بحاجة إلى هذه الأجهزة, وهو أرجى منه في الحياة, بحيث لو تُرِك مات ونسبة حياته ستين إلى خمسين بالمائة والآخر نسبة حياته واحد إلى عشرة بالمائة, فهذا محل نظر بين أن نرفع عنه الأجهزة أو نقول إنه سبق فهو أحق, لكن رفع الأجهزة دون حاجة لا يجوز. ومثل هؤلاء المرضى داخلون في عموم الحديث, فيلقنون.
والمخاطب بهذا الحديث المسلمون, وإن كان يتناول من بُعْد الميت القريب من المسلم وإن كان غير مسلم, والنبي عليه الصلاة والسلام عرض الشهادة على عمه أبي طالب, وعرضها على اليهودي الذي زاره, فلتُعرَض حتى على غير المسلم لعل الله ينفعه بها, لا سيما من ظهر نفعه في المسلمين, فلا مانع, بل الدليل يدل على أنه تعرض عليه الشهادة, وإن كان قوله (موتاكم) خاص بالمسلمين لأنه يخاطب المسلمين, والكافر ليس بميت للمسلم بل هو بعيد عنه والصلة منقطعة عنه تاماً.
¥