ينبغي أن يكون التلقين برفق, ولا يكرر عليه إلا بقدر الحاجة بالأسلوب المناسب, لأن الإنسان في هذا الظرف يضيق خلقه فيُخشَى أن ينطق بكلمة تضاد الشهادة. ومما ذكره أهل العلم في هذا الباب أنه ينبغي أن تُذكَر أعماله الصالحة التي عُرِف بها ليحسن الظن بالله جل وعلا وينشرح صدره وتمنى لقاء الله, لأنه جاء في الحديث الصحيح (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه) وقال الله جل وعلا في الحديث القدسي (أنا عند حسن ظن عبدي بي) وهذا بخلاف ما لو ذكرت عنده أعماله السيئة, اللهم إلا إذا كانت هناك فسحة في الأمر ليُذكَّر بها فيتوب عنها, وأما إذا ضاق الوقت بحيث لا يتمكن من التوبة وتخشى العواقب والآثار السيئة فإنه لا يُذكَّر بأعماله السيئة, وإنما يُذكَّر بسعة رحمة الله وجل وعلا وبأعماله الصالحة. وعلى الإنسان أن يعمل في حياته من الأعمال الصالحة ما يجعله يحسن الظن بالله جل وعلا وما يكون سبباً في حسن العاقبة والخاتمة, ومن عاش على شيءٍ مات عليه, ومن مات على شيءٍ بُعِث عليه, ومن لزم الأعمال الصالحة ذكرها عند موته وكررها وقت اختلاطه وهرمه وشَغِف بها وأحبها, وأهل العلم يقولون (الفواتح عنوان الخواتم). قد يكون في نفس الإنسان هواجس وخواطر يرددها وأماني تغلب على تفكيره فإذا أصابه إغماء أو خرف أو تخليط صار يرددها عند الناس, ذكر ذلك ابن القيم في عِدَة الصابرين.
وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {اقْرَؤُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس} رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
هذا الحديث مضعَّف عند أهل العلم, رواه أبو داود, ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة. والمراد بالموتى من سيموت, وذكروا من فائدة قراءة سورة يس أنها تخفف وتهون وتسهِّل خروج الروح, لكن الحديث ضعيف, قال الدار قطني: مضطرب الإسناد مجهول لا يصح.
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: {دَخَلَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنه وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ, ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ اَلرُّوحَ إِذَا قُبِضَ اتَّبَعَهُ الْبَصَرُ" فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ, فَقَالَ: "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ. فَإِنَّ اَلْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا تَقُولُونَ". ثُمَّ قَالَ: "اَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ, وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي اَلْمَهْدِيِّينَ, وَافْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ, وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ, وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قوله (وقد شق بصره) أي شخص وارتفع, لأن الروح إذا خرجت تبعها البصر وارتفع لينظر أين تذهب, فأغمضه النبي عليه الصلاة والسلام, ولذا يستحب تغميض عيني الميت, لأن منظره مخيف إذا كان بصره شاخصاً, ولا شك أن إغماض عينيه أكمل, لأن قيمة البصر في الإبصار وقد انتهى الإبصار فانتهت قيمة البصر فيُغمَض. ولأنه يُخشَى أن يدخل في عينيه شيء, أو تتأثر عيناه مما في الجو وتتعفن. وقوله (شق بصره) بفتح الشين, و (بصره) فاعل, وضبطه بعضهم بالنصب, يعني شق المرء بصرَه.
وهل التبعية في قوله (تبعه البصر) تبعية حسية, بمعنى أن الروح تمكن رؤيتها أو لا تمكن؟ هل هي جسم أو عرض؟ يتكلم العلماء في هذا كثيراً, لكن الجواب الإلهي جاء في قوله تعالى (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) والبرهان على ذلك ما في الآية نفسها, فالروح بين جنبي الإنسان مائة سنة ولا يدري ما هي, فيغالط نفسه ويكذب على نفسه من يريد أن يطلع على كل شيء ويعرف كل شيء, فضلاً عمن يزعم أنه يعرف كل شيء. فهذه التبعية الله أعلم بها, تبعاً للمتبوع, وأما اتباع البصر في حال الحياة للأمور مُدرَك, فهو يتبع المرئيات يميناً وشمالاً, لكن المتبوع هنا وهو الروح غير مُدرَك, فهذه التبعية تبعاً لهذا المتبوع غير مدركة.
¥