والماء هو الأصل في الغسل, والسدر للتنظيف, ويكفن في ثوبيه ولا يخمَّر رأسه ولا وجهه ولا يُحنَّط ولا يُطيَّب لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً, وعلى هذا لا يُكمَّل عنه الحج. وفي قوله (وكفنوه) ما يدل على وجوب التكفين, وأنه لا يشترط أن يكون وتراً النبي عليه الصلاة والسلام كفن في ثلاثة أثواب, وهنا قال (كفنوه في ثوبيه) لأنه ثوب زاول فيه هذه العبادة وسوف يستمر في هذين الثوبين حتى يفرغ من هذه العبادة ولم يفرغ منها حتى يبعث يوم القيامة يلبي في حكم الحاج, فيكفن في ثوبيه اللذين مات فيهما. وقوله (يبعث يوم القيامة ملبياً) لم يذكره المؤلف رحمه الله تعالى لأنه لا يدخل في هذا الباب, وهو يدل على أن من شرع في عمل طاعة ثم اخترمته المنية دون إتمامه أنه يحصل له ما يؤمله ويرجوه من الله جل وعلا كاملاً قياساً على هذا الذي يبعث يلبي وأن الله يكتب له أجر ذلك العمل.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: {لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: وَاَللَّهُ مَا نَدْرِي, نُجَرِّدُ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا, أَمْ لَا؟} اَلْحَدِيثَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ.
هذا الحديث مخرَّج في المسند وسنن أبي داود وهو حديث حسن. ودل قولهم (كما نجرد موتانا) على أن الأموات يجردون من ثيابهم عند الغَسل, على أن تستر العورات ولا تباشر باليد عند الغسل. وتمام الحديث عند أبي داود (فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن اغسلوا النبي عليه الصلاة والسلام وعليه ثيابه فغسلوه وعليه قميصه) وتولى الغسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وعائشة رضي الله عنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. وعلى كل حال الرجل يغسِّله الرجال, وللزوجة أن تغسِّل زوجها, والمرأة يغسِّلها النساء, وللزوج أن يغسِّل زوجته, على خلافٍ في ذلك.
ـ[أبوهاجر النجدي]ــــــــ[15 - 11 - 07, 12:30 م]ـ
"المجلس الثاني"
وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: {دَخَلَ عَلَيْنَا اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ، فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا, أَوْ خَمْسًا, أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ, بِمَاءٍ وَسِدْرٍ, وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا, أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ"، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ, فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ. فَقَالَ: "أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ"} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ: {ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ اَلْوُضُوءِ مِنْهَا}. وَفِي لَفْظٍ ِللْبُخَارِيِّ: {فَضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ, فَأَلْقَيْنَاهُ خَلْفَهَا}.
أم عطية اسمها نُسَيبة أو نَسيبة, بالضم أو بالفتح, والأكثر على الضم, بنت كعب أو بنت الحارث الأنصارية, وهي من المراجع للصحابة والتابعين في غسل الميت, لأنها حضرت غسل بنت النبي عليه الصلاة والسلام, على الخلاف في حضورها غسل واحدة أو اثنتين.
ودخوله عليه الصلاة والسلام على هؤلاء النسوة اللاتي يغسِّلن البنت إما أن يكون مع علمهن بذلك وفعل ما يجب فعله تجاه الرجال, وهذا على القول أنه يُحتَجب عنه عليه الصلاة والسلام, أو على القول المرجح عند جمع من أهل العلم كابن حجر وغيره أنه لا يجب الاحتجاب من النبي عليه الصلاة والسلام.
والبنت هذه هي زينب, هذا هو المشهور, وهو الذي جاء في بعض روايات الصحيح, وهي زوج أبي العاص بن الربيع, وهي أم أمامة التي حملها النبي عليه الصلاة والسلام وهو يصلي. وكانت وفاتها في أول سنة ثمان من الهجرة. ووقع في رواية عند ابن ماجه وغيره أنها أم كلثوم, وفي البخاري عن ابن سيرين: لا أعلم أي بناته. وعلى كل حال تعيين المبهم هنا بكونها زينب أكثر وأشهر, وإن جاء ما يدل على أنها أم كلثوم, ولا مانع من أن تكون أم عطية شهدت غسل البنتين, فمن نقل أنها زينب فباعتبار, ومن نقل أنها أم كلثوم فبالاعتبار الثاني.
¥