قوله عليه الصلاة والسلام (اغسلنها ثلاثاً) من الأدلة على وجوب تغسيل الميت, وأنه فرض كفاية, وعند المالكية وجه أنه سنة وليس بواجب, والمعتمد عند عامة أهل العلم أنه على الوجوب الكفائي. وهل العدد واجب أو ليس بواجب؟ بمعنى هل المأمور به الغسل والعدد قدر زائد على الواجب كما في غسل الحي؟ منهم من يرى أن تعميمه بالماء كافٍ كغسل الحي, ومنهم من قال إن أول عدد بدئ به الثلاث فهو أقل المجزئ, فالأمر بالغسل ثلاثاً.
قوله (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك) على التخيير الذي مرده الحاجة, وليس مرده التشهي, فإن كفت الثلاث فبها ونعمت, وإن لم تكف زدن على ذلك.
قوله (أو أكثر من ذلك) منهم من قال إن السبع لا يزاد عليها, بدليل أنه قال في بعض الروايات (أو سبعاً). ومنهم من قال يزاد على السبع ما دامت الحاجة قائمة, مع أن ابن عبد البر يقول: لا أعلم أحداً قال بمجاوزة السبع. على أنه جاء في بعض الروايات (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) وهذه الرواية في سنن أبي داود, وهي دليل على مشروعية الزيادة على السبع إن دعت إلى ذلك الحاجة. وقوله (إن رأيتن ذلك) يعني إن رأيتن الحاجة داعية إلى ذلك, فمرد هذه الرؤية الحاجة وليس مردها التشهي.
والسدر له خصوصيات, فهو ينظِّف ويليِّن جسد الميت, ويقوم مقامه ما توجد فيه هذه الخصوصيات.
قوله (واجعلن في الآخرة) أي في الغسلة الأخيرة (كافوراً) لأنه طيب الرائحة, ويساعد في طرد الهوام وفي بقاء الجثة دون تغير. وقوله (أو شيئاً من كافور) شك من الراوي, وهو يدل على التقليل, ولا ينافي الرواية الأخرى (واجعلن في الآخرة كافوراً) لأن قوله (كافوراً) نكرة في سياق الإثبات فلا تعم, فتنصرف إلى أدنى شيء.
قولها (فلما فرغنا آذناه) أي أعلمناه (فألقى إلينا حَقوَه) بفتح الحاء وقد تكسر, وهو الإزار, والأصل في الحقو أنه معقِد الإزار, وأطلق على الإزار من باب إطلاق المحل وإرادة الحال.
قولها (فقال: أشعرنها إياه) يعني اجعلنه شعاراً لها, والشعار هو اللباس الذي يلي جسد الميت ويلامس شعره من غير فاصل, بخلاف الدثار الذي يُلبَس فوقه, ولذا جاء في الحديث المذكور في مناقب الأنصار بعد غنائم حنين (الأنصار شعار والناس دثار) فهم بمنزلة الشعار الذي يُلبَس مما يلي الجسد, فهم أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) يعني ابدأن بالجهة اليمنى منها, ومقتضى قوله (ابدأن بميامنها) أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى, لأن الرجل اليمنى من الميامن, واليد اليسرى من المياسر, والميامن تغسل قبل المياسر. والجملة الثانية تدل على العكس, أن اليد اليسرى تغسل قبل الرجل اليمنى, لأنها كذلك في الوضوء. فيقال: الغسلة التي فيها الوضوء يُقدَّم فيها مواضع الوضوء, وما عداها من الغسلات يُقدَّم غسل الشق الأيمن. وقد جاء في غسل الحي أنه يتوضأ وضوءه للصلاة, وعلى هذا يغسل اليد اليسرى قبل الرجل اليمنى, ثم بعد الوضوء يفيض الماء على رأسه ثلاثاً, ثم يغسل شقه الأيمن بما فيه رجله اليمنى, ثم شقه الأيسر بما فيه اليد اليسرى, وعلى هذا ليس هناك تنافٍ, فيُبدَأ بالميامن في الغسلة التي لا وضوء فيها, ويبدأ بمواضع الوضوء في الغسلة التي فيها الوضوء.
قولها (فضفرنا شعرها ثلاثة قرون) تعني جعلناه ثلاث ضفائر بعد نقضه وغسله, وتلقى هذه الضفائر خلف المرأة لقولها (فألقيناه خلفها) هذا ما يدل عليه الحديث, وبه قال الجمهور. وقال الحنفية إنه يلقى الشعر مرسلاً من غير ضفر خلفها وعلى وجهها, وحديث الباب دليل على ما ذهب إليه الجمهور, وهو حديث متفق عليه. والحنفية لم يأخذوا بهذا الحديث, وكأنهم رأوا أن هذا من تصرف أم عطية ومن معها دون أمره عليه الصلاة والسلام, لأنها قالت (فضفرنا شعرها) وليس فيه ما يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر النسوة أن يضفرن شعرها. لكن جاء في بعض الروايات (اجعلن لها ثلاثة قرون) فهذا نص قاطع للنزاع, مع أن تصرف هؤلاء النسوة في مثل هذا الموضع لا يكون إلا عن علمه عليه الصلاة والسلام وتوجيهه.
¥