تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والوضوء والغسل تعبدي بالنسبة للميت, لأن المؤمن طاهر حياً وميْتاً, لكن تتجدد سِمَتُه بالنسبة للوضوء في ظهور أثر الغرة والتحجيل, وأما بالنسبة للغسل فإنه للتنظيف وهو تعبدي, يعني لو قُدِّر أنه اغتسل غسلاً مبالغاً في تنظيفه قبيل وفاته فإنه لا يكفي, لأن غسل الميت تعبدي.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: {كُفِّنَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ, لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

كُفِّن عليه الصلاة والسلام في ثلاثة أثواب لا سبعة كما جاء في بعض الروايات الضعيفة, وجمع بعضهم بأن قال إن هذا ما اطلعت عليه عائشة, لكن الصواب أنه كُفِّن في ثلاثة أثواب. وحديث المحرم (وكفنوه في ثوبيه) يدل على أن الثوبين يكفيان, والثلاثة أكمل, والواحد الذي يغطي جميع البدن هو أقل القدر المجزئ, والنبي عليه الصلاة والسلام إنما فُعِل به الأكمل. وجاء بيان هذه الأثواب الثلاثة في طبقات ابن سعد عن الشعبي أنها إزار ورداء ولِفافة. وهذه الأثواب بيض, فيستحب أن يكون الكفن أبيضاً, وجاء في الحديث (البسوا من ثيابكم البياض, فإنها أطيب وأطهر, وكفنوا فيها موتاكم) والأمر فيه أمر استحباب, لأن النبي عليه الصلاة والسلام لبس الحلة الحمراء, ومن أهل العلم من يعتني بلبس البياض, فيلبس اغترة البيضاء والبشت الأبيض, وما دام ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام لبس الألوان الأخرى فلا ضيق في المسألة, فإذا لبس الثوب الأبيض ولبس معه غيره من لونٍ آخر صدق عليه أنه لبس البياض, مع أن العناية بالأبيض ينبغي أن تكون أوفر وأكثر. والحنفية يستحبون المخطط, لأن النبي عليه الصلاة والسلام سُجِّي ببردٍ حبرة, والبرد الحبرة هو المخطط, وسبق بيان معنى التسجية وأنها التغطية, غطي النبي عليه الصلاة والسلام بهذا البرد الحبرة بعد وفاته وقبل غسله, ولو غُطِّي به بعد تكفينه ليُنزَع عنه بعد ذلك فلا بأس, كما يوضع البشت على كفن الرجل والمرأة, لكن الأكفان الأفضل فيها أن تكون بيضاء.

وسُحُول قرية في اليمن ترد منها هذه الأثواب, ومنهم من يقول هي مأخوذة من السَّحْل وهو الغسل, لكن المرجح أنها قرية في اليمن, لأنه إذا قيل إنها مأخوذةٌ من السحل وهو الغسل فإن سُحُول جمع سَحْل, والنسبة إلى الجمع شاذة.

قولها (من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة) الكرسف هو القطن, وهو بارد على الجسد, واستحب بعض العلماء التكفين في القميص, والنبي عليه الصلاة والسلام كفِّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص, وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل, فكيف يقال باستحباب القميص؟ والنبي عليه الصلاة والسلام كفن عبد الله بن أُبَي في قميصه, فكيف يفعل خلاف الأفضل؟ الجواب أن يقال إن تكفينه عبد الله بن أُبَي في قميصه كان مكافأةً لولده المسلم المؤمن الصادق وجبراً لخاطره, ومكافأةً للأب الذي كسى العباس قميصاً, فهذه مكافأةً لئلا تبقى له منة على النبي عليه الصلاة والسلام. ومن أجوبتهم عن حديث الباب قولهم إن المراد بقولها (ليس فيها) يعني ليس في الثلاثة, والمعنى أن الثلاثة إزار ورداء ولفافة وأيضاً قميص, فيكون القميص ليس في الثلاثة, بل هو قدر زائد على الثلاثة, لكن ليس هذا هو الظاهر من النص, بل الظاهر من النص الاقتصار على الثلاثة دون غيرها, لأنها قالت (كُفِّن في ثلاثة أثواب) يعني فقط, فلا يستحب التكفين بالقميص ولا العمامة, اللهم إذا كان لا يوجد إلا هذا القميص فإنه يكفن فيه, والمسألة مسألة استحباب. والواجب من الكفن ما يستر البدن, ولو كان قطعة واحدة, فإن لم يوجد ما يستر جميع البدن سُتِرت العورة, فإن زاد على ذلك فليُجعَل في أعالي البدن, ويُجعَل على الرجلين شيء من الحشيش, كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام في عمه حمزة ومصعب بن عمير, الذين ماتوا قبل أن تُبسَط الدنيا وتتوسع.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: {لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ جَاءٍ اِبْنُهُ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ, فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير