الدعاء, ومنهم من قال إنه مر عليهم وصلى عليهم صلاة الجنازة وهذا من خصوصياتهم, ولذا لم يُذكَر أنه طلب من الصحابة أن يخرجوا معه للصلاة عليهم كما فعل بالنجاشي. ولا يمنع مانع من حمل الصلاة على الصلاة اللغوية, لأن الصلاة في اللغة بمعنى الدعاء, فالمعنى أنه خرج إليهم في قبورهم ودعا لهم. ويُسلَك مثل هذا للتوفيق بين النصوص, فقد جاءت الأخبار المتواترة التي منها حديث الباب أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يصل على شهداء أحد, وكونه صلى عليه بعد ثمان سنين كالمودع لهم لا يمنع أن تكون الصلاة لغوية وهي الدعاء, بدليل أنه لم يجمع الصحابة كما هي عادته في الصلاة على الجنازة, فلم يقل (اخرجوا لنصل على شهداء أحد) كما نعى النجاشي للصحابة وخرج بهم إلى المصلى وصلى عليه, فالمرجح أن الشهيد لا يصلى عليه.
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي لله عنه قَالَ: {سَمِعْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا تُغَالُوا فِي اَلْكَفَنِ, فَإِنَّهُ يُسْلُبُ سَرِيعًا"} رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
إسناده ضعيف, لأنه من رواية الشعبي عن علي رضي الله عنه, فهو منقطع, لأن الدار قطني وغيره نصوا على أنه لم يسمع من علي إلا حديثاً واحداً ليس هذا. وفيه علة أخرى, وهي عمرو بن هشام الجنبي, وهو ضعيف. وعلى كل حال المنع من المغالاة دلت عليه النصوص الأخرى المستفيضة التي تنهى عن الإسراف والتبذير, فالمغالاة نوع وضرب من الإسراف والتبذير, فلا يغالى لا في كفن ولا في غيره.
قوله (فإنه يسلب سلباً سريعاً) لأنه يبلى ويذهب وتأكله الأرض, فلا داعي للمغالاة فيه, ولذا لما أوصى أبو بكر رضي الله عنه أن يُغسَل ثوبه الذي عليه ويكفَّن فيه قيل له (إن هذا خَلِق) فقال رضي الله عنه (الحي أولى بالجديد من الميت). والكفن إنما هو للمَهْلَة والصديد والقيح والهوام والحشرات, وأما بالنسبة للحي فإنه يعبد الله فيه ويستقبل فيه إخوانه ويحضر به الجمع والجماعات, فهو أولى به. وعلى كل حال الحديث ضعيف, ومعناه صحيح, فالمغالاة ممنوعة, لا بالنسبة للحي ولا بالنسبة للميت.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا ; أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: {لَوْ مُتِّ قَبْلِي لغَسَّلْتُكِ} اَلْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَابْنُ مَاجَهْ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
سبق قول عائشة (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه) ففي هذا ما يدل على أنه للزوج أن يغسِّل زوجته والعكس, وفاطمة رضي الله عنها أوصت أن يغسِّلها علي, فما زالت الرابطة والعلاقة موجودة بين الزوجين, بدليل أنها تستمر حتى في الجنة. فالزوج أولى الناس بالاطلاع على زوجته, وهي أولى الناس بالاطلاع عليه. ومن أهل العلم من يقول إن الرابطة انقطعت بالموت, فالمرأة لا تغسِّل زوجها, والزوج لا يغسِّل زوجته. ومنهم من يفرِّق فيقول إن الزوجة تغسِّل والزوج لا يغسِّل, لأن المرأة تعتد, والزوج لا يعتد, لأنه لو ماتت المرأة انتهت جميع العلائق بها, لكن لو مات الزوج بقيت حبيسة من أجله حتى تخرج من العدة. والصواب ما يدل عليه الحديث, أنه للزوج أن يغسِّل زوجته, وللزوجة أن تغسِّل زوجها. وأما بالنسبة للرجل بين النساء والمرأة بين الرجال غير الأزواج فقد جاء في المراسيل لأبي داود عن مكحول أن النبي عليه الصلاة والسلام قال (إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس فيهم امرأة, والرجل مع النساء ليس فيهن رجل, فإنهما ييممان ويدفنان) لأن الرجال لا يجوز أن يطلعوا على النساء, والنساء لا يجوز أن يطَّلعن على الرجال, وهذا في حال الموت, ففي حال الحياة من باب أولى. وقال بهذا جمع من أهل العلم, أن التغسيل يسقط, فلا يغسَّل الرجل إذا لم يوجد رجل يغسِّله, ولا تغسَّل المرأة إذا لم توجد امرأة تغسِّلها. ومنهم من يرى إرسال الماء على الرجل أو على المرأة من بُعْد, فيسقط به الواجب وتنتفي به المفسدة.
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا: {أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلَامُ أَوْصَتْ أَنْ يُغَسِّلَهَا عَلِيٌّ رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ} رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ.
¥