الدار قطني روى هذا الحديث بإسنادٍ لا بأس به ومقبول في الجملة, ويشهد له الحديث السابق. وأسماء بنت عميس كانت تحت جعفر الطيار, وبعده تحت أبي بكر, وبعده تحت علي, فلها علاقة بالموضوع, لأنها تزوجت علي بعد فاطمة, فاطلعت على مثل هذا. وهذا الحديث يدل على أن الرجل يغسِّل زوجته. وتقدم قول عائشة: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأوصى أبو بكر امرأته أسماء أن تغسِّله, والمقصود أن مثل هذا جائز بين الزوجين, بل لو قيل إن المرأة أولى الناس بتغسيل زوجها لاطلاعها على ما لم يطَّلع عليه غيرها والزوج أولى الناس بتغسيل زوجته لاطلاعه على ما لم يطَّلع عليه غيره لكان له وجه. على أن النبي عليه الصلاة والسلام غسَّله علي رضي الله عنه واستعان ببعض الصحابة, فدل على أن الرجل يغسِّله الرجال, والمرأة يغسِّلها النساء. وعند الفقهاء بالنسبة للجنسين يفرقون بين من بلغ السبع وبين من لم يبلغ السبع, فالذي بلغ السبع له عورة محترمة مؤثرة في الناظر, فلا يغسِّله إلا جنسه, وأما من كان دون السبع فللمرأة أن تغسِّله وللرجل أن يغسِّله.
وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه -فِي قِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ اَلَّتِي أَمَرَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجْمِهَا فِي اَلزِّنَا- قَالَ: {ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصُلِّيَ عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
جاء نسبتها إلى جهينة, والقصتان في الصحيح, قصة الغامدية وقصة الجهنية, فهل هما اثنتان أو واحدة؟ سياق القصتين متقارب جداً, حتى جعل بعض أهل العلم يقول إن القصة واحدة وغامد بطن من جهينة. ويمكن أن يكون هناك فخذ من جهينة يقال لهم غامد, وهم غير القبيلة المعروفة. والذين قالوا إن غامد هنا بطن من جهينة فحول وشرَّاح كبار, فلم يقولوا ذلك تخرصاً, والاحتمال قائم.
هذه الغامدية التي حصل منها ما حصل ورُجِمت تابت توبةً لو قُسِمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم, وفي رواية (لو تابها صاحب مَكْس) وأمر النبي عليه الصلاة والسلام برجمها لأنها زنت وهي محصنة.
قوله (ثم أمر بها فصُلِّي عليها ودُفِنت) دل على أن الميت بحد يصلى عليه, لأنه مسلم. وأمر عليه الصلاة والسلام برجمها فرُجِمت, ولم يباشر الرجم, وأمر بها فصُلِّي عليها, ولم يباشر الصلاة عليها, فدل على أن الإمام لا يباشر مثل هذه الأمور, لا سيما الصلاة على من كان سبب وفاته فيه شيء, لئلا يقال إن فعله صحيح ولا شيء فيه وأنه لو لم يكن فعله صحيح ما صلى عليه, فمن مات بحد - الذي أصله ارتكاب مخالفة - لا يصلي عليه الإمام. والعلماء بينهم خلاف في الصلاة على الفساق وعلى من قُتِل بحد وعلى المحارب وعلى ولد الزنا, وعلى كل حال هم في دائرة الإسلام ويصلى عليهم, لكن يبقى أن علية القوم وأشراف الناس والإمام على وجه الخصوص يتورعون عن الصلاة عليهم.
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: {أُتِيَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ, فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
المشاقص جمع مِشقَص وهو النصل العريض, وهذا الذي باشر قتله ترك النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة عليه عقوبة له وردعاً وزجراً لمن أراد أن يفعل مثل فعله, ومباشرة قتل النفس جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب. فمباشرة قتل النفس لا تجوز بحال, ولا يوجد في النصوص ما يدل عليها, وإن جاء في النصوص ما يدل على التسبب لكن المباشرة لم يأت في النصوص ما يدل عليها. ومثل هؤلاء لا يصلى عليهم من قبل الإمام, وإلا فهم في دائرة الإسلام, والمسلمون مطالبون بالصلاة عليهم.
ـ[محمد الناجم]ــــــــ[15 - 11 - 07, 06:33 م]ـ
بارك الله فيك
مجهود اكثر من رائع
ـ[تابع السلف]ــــــــ[17 - 11 - 07, 09:16 ص]ـ
بارك الله في جهدك ووقتك
ـ[أبوهاجر النجدي]ــــــــ[17 - 11 - 07, 12:15 م]ـ
وفيكم بارك الله ..
ـ[ابو عبد العزيز الحنبلي]ــــــــ[18 - 11 - 07, 06:14 ص]ـ
نفع الله بكم, وبارك فيكم
ـ[أبوهاجر النجدي]ــــــــ[19 - 11 - 07, 10:09 م]ـ
وفيك بارك الله ...
"المجلس الثالث"
¥