تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه - فِي قِصَّةِ اَلْمَرْأَةِ اَلَّتِي كَانَتْ تَقُمُّ اَلْمَسْجِدَ - قَالَ: {فَسَأَلَ عَنْهَا اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: مَاتَتْ, فَقَالَ: "أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي"? فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا, فَقَالَ: "دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا", فَدَلُّوهُ, فَصَلَّى عَلَيْهَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَزَادَ مُسْلِمٌ, ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ هَذِهِ اَلْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا, وَإِنَّ اَللَّهَ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ}.

الخلاف في كون الذي مات رجل أو امرأة موجود في الروايات الصحيحة, وبعضهم شك هل هو رجل أو امرأة, وبعضهم جزم, وعلى كل حال الحكم المستنبط من القصة لا يتوقف على كونه ذكراً أو أنثى. وقوله (التي كانت تقم المسجد) يعني تخرج القمامة وهي الكُنَاسة, يعني تنظف المسجد, والأمر ببناء المساجد وتنظيفها وتطييبها معروف, لأنها معدة لإقامة شعائر الله كالصلاة والذكر وقراءة القرآن وتعليم العلم. ولا مانع من خدمة النساء للمساجد إذا أُمِنَت الفتنة, لكن مع وجود الفتنة لا يجوز بحال أن تدخل أماكن الرجال, لها أن تنظف أماكن النساء ومصلياتهن, وأما أماكن الرجال فلا, كما أنه لا يجوز للرجل أن يدخل ويغشى أماكن النساء.

كان العمل يصدر منهم ابتغاء وجه الله جل وعلا دون مقابل, فلا يتصور أنها كانت تقم المسجد بمقابل, لكن إذا صُرِف من بيت المال لمثل هؤلاء فهذا من خير المصارف بلا شك, لكن كون الإنسان يتبرع بمثل هذه الأعمال الصالحة فثوابه عظيم إن شاء الله تعالى.

قوله (فدلُّوه) من الدلالة, وقولنا (فدلَّوه) من التدلية, ومثله قول الإمام (تراصُّوا) أمر بالتراص, وقوله (تراصَّوا) فعل ماض. وفي الحديث دلالة على الصلاة على القبر, وهذا مستثنى من النهي عن الصلاة إلى القبور, في حديث أبي مرثد (لا تصلوا إلى القبور, ولا تجلسوا عليها) فدل على أن المنهي عنه الصلاة المعروفة المعتادة ذات الركوع والسجود, وأما صلاة الجنازة على القبر فإنها مستثناة لثبوتها من فعله عليه الصلاة والسلام, كما في هذا الحديث, فلا يدخل هذا في النهي عن اتخاذ القبور مساجد. وهذا الحديث مخصص لعموم النهي, ويبقى أنه لا يُقاس على هذا الخاص غيره, ويبقى أن الأصل النهي عن الصلاة إلى القبور وعن الصلاة في المقبرة وعن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر. وثبت أنه عليه الصلاة والسلام صلى على البراء بن معرور بعد شهر من وفاته, فحد بعضهم الصلاة على القبر إلى شهر, ويختلفون في المدة التي تفوت فيها الصلاة على القبر, والمقصود أن صلاة الجنازة على القبر مشروعة ولا إشكال فيها لثبوتها من فعله عليه الصلاة والسلام, ويبقى ما عداها من صلاة ومن قراءة ومن ذكرٍ في حيز المنع, فالنهي عن اتخاذ القبور مساجد يتناول جميع العبادات التي تُزاوَل في المسجد. وقراءة القرآن في المقبرة بدعة, وجاء لعن اليهود والنصارى لاتخاذهم قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد, فدل على أن العبادات لا تزاول في المقبرة, ويُخَص من ذلك ما جاء الدليل بتخصيصه, وما عدا ذلك يبقى على المنع.

زيادة مسلم (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها, وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم) لم يخرِّجها البخاري, بل هي من أفراد مسلم, ويحتج بها من يرى أن الصلاة على القبر خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم, والمالكية والحنفية لا يرون الصلاة على القبر, لعموم النهي, والحنابلة والشافعية يرون جواز ذلك, لما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث وغيره.

المدة التي تشرع فيها الصلاة على القبر منهم من قال إنها إلى شهر, لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على البراء بن معرور بعد مضي شهر, ومنهم من يقول إنها إلى أن يبلى الميت, فإذا بلي وفني لا يصلى عليه, لكن تعليق الحكم بشيءٍ لا يُطَّلع عليه ولا على مدته تعليق على مشكوكٍ فيه, وكونه صلى ووقعت منه المدة اتفاقاً لا يقتضي التحديد, وأما دعوى الخصوصية بالنبي عليه الصلاة والسلام فالخصوصية تحتاج إلى دليل يخصه عليه الصلاة والسلام, وإلا فالأصل أنه القدوة والأسوة, فإذا فعل شيئاً طُلِب من الأمة أن تفعله اقتداءً به. وقد يؤخذ التخصيص من التعليل بقوله (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها, وإن الله ينورها لهم بصلاتي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير