عليهم) لكن الأصل الاقتداء, وهذه صلاة جنازة جاء الترغيب فيها, فلا يفوِّت المسلم أجره المرتب عليها.
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه {أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْهَى عَنِ اَلنَّعْيِ} رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه {أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَعَى اَلنَّجَاشِيَّ فِي اَلْيَوْمِ اَلَّذِي مَاتَ فِيهِ, وَخَرَجَ بِهِمْ مِنَ الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ, وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
حديث حذيفة رضي الله عنه حسن. ولا شك أن النعي الذي فعله عليه الصلاة والسلام غير الذي نهى عنه, والنعي هو الإخبار بالموت, وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بموت النجاشي, فمجرد الإخبار من أجل أن يجهَّز الميت ويصلى عليه ويبادَر بقضاء ديونه واستيفاء حقوقه لا بأس به, فالنبي عليه الصلاة والسلام نعى لهم النجاشي في اليوم الذي مات فيه وأخبرهم ليجتمعوا فيصلوا عليه, فهذا مجرد إخبار. لكن النعي الذي جاء النهي عنه هو ما كانت الجاهلية تفعله من رفع الصوت في أفواه السكك والطرقات, وبعث البعوث إلى القبائل, وقولهم (ألا إن فلان بن فلان قد مات) وما يحصل مع ذلك من بيان محاسنه والنياحة عليه, فالمقصود أن النعي الذي لا يترتب عليه هدف شرعي هو الداخل في الذم, وأما إذا كان الإخبار والنعي لمجرد الاجتماع للصلاة عليه واستيفاء حقوقه وقضاء ديونه وتعزية أهله فإنه لا بأس به. ويُعلَن في الصحف أحياناً ويُصدَّر بما يدل على التزكية (يا أيتها النفس المطمئنة) وهذه تزكيةٌ لا تجوز. والأمور بمقاصدها, فإن كان للميت علاقات طويلة وأعمال مبعثرة, ولا يمكن تفريغ من له صلة إلا بالإعلان في الصحف, وكان هذا هو الهدف, فإنه يجوز منه ما يحقق هذا الهدف, وأما حجز الصفحات الأولى من الجرائد أو الصفحات الكاملة بالألوف المؤلفة فلا شك أن هذا تبذير, لكن إذا وُضِع خبر صغير بإعلان وفاته وأن من له عليه حق فليتقدم لتحصيل حقه فإن هذا هدف صحيح, وأما أن تحجَز الصفحات الكاملة للإعلان عن وفاته وللتعزية من أجل المباهاة فهذا هو المنهي عنه. فالإخبار حكمه يتبع ما يحققه, فإن كان يحقق للمخبِر المباهاة وليقال إنه صلى عليه الجموع الغفيرة وإنه تناقل الناس خبر وفاته فمثل هذا لا شك أنه يُنهَى عنه, وأما إذا كان لاجتماع أهله وذويه ومعارفه وأحبابه وأهل الخير والفضل والصلاح للصلاة عليه فهذا لا بأس به, بل هو مطلوب, لأن النبي عليه الصلاة والسلام نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه, ومنهم من يقول إنه لا يجوز النعي إلا في اليوم الذي يموت فيه, وعلى كل حال الأمور بمقاصدها, وكلٌّ يجد من نفسه ما يجد, لكن الملاحظ في كثير من التصرفات أن المباهاة لها دور كبير في النعي الموجود الآن. وتجد بعض الأخيار إذا سمع بوفاة شخص أو بجنازة ولو لم يعرف صاحبها يرسل رسائل بالجوال من أجل أن يحضر الناس للصلاة عليه, ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله, فهذا لا بأس به, لأنه لا يقصد به المباهاة ولا المكاثرة, وإنما يقصد به أن يحصل المبلَّغ على أجر الصلاة على هذا الميت, ومثل هذا قول إمام المسجد لجماعته إنه سيصلى على فلان في الوقت الفلاني في المسجد الفلاني, فهذا ليس فيه فخر ولا مباهاة, وإنما ليحصِّل الناس أجر الصلاة على الجنازة.
وفي الحديث علم من أعلام النبوة, لأن نقل الخبر من الحبشة إلى المدينة يحتاج إلى وقت طويل, ومع ذلك نعاه في اليوم الذي مات فيه. قوله (وخرج بهم إلى المصلى, فصف بهم, وكبر عليه أربعاً) يستدل بهذا من يمنع الصلاة على الميت في المسجد, وأنه لا بد أن يُخرَج بها, وسيأتي أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على ابني بيضاء في المسجد, فالصلاة على الميت في المسجد يمنعها بعض أهل العلم خشية تلويث المسجد, ولأن النبي عليه الصلاة والسلام خرج للصلاة على النجاشي ولم يصل عليه في المسجد, لكن الصلاة على الغائب ليس فيها تلويث, والنبي صلى الله عليه وسلم إنما خرج بهم إلى المصلى ليكثر الجمع, ولذا تجدون الجنائز الكبيرة التي لا تستوعبها المساجد يصلى عليها في مصليات العيد, مع أنه يصلى على غيرها في المساجد. وهذا الحديث هو دليل الصلاة على الغائب, وقال الشافعية والحنابلة بشرعية الصلاة على الغائب مطلقاً, ونقل
¥