تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ابن حزم عن السلف أنه لم يأت عن أحد منهم خلاف هذا القول, وعند الحنفية والمالكية لا يصلى على الغائب, لكثرة من مات في عهد النبي عليه الصلاة والسلام بغير حضرته فلم يصل عليهم, لكن فعله في الصلاة على النجاشي وهو غائب دليل على الجواز, ولذا منهم من يقول إذا كان الغائب لم يصل عليه فيه بلده فإنه تصلى عليه صلاة الغائب, وأما إذا عُرِف أنه صلي عليه في بلده فإنه لا تصلى عليه صلاة الغائب, وإلى هذا ميل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, لكن نحتاج إلى دليل يثبت أن النجاشي لم يصل عليه في بلده. نعم لا يصلى على كل أحد, إنما يصلى على من له أثر في الإسلام كالنجاشي, فإنه كان ردءاً نافعاً للمسلمين, فلو وُجِد من له نفع عام في الأمة أو نفع خاص لبعض الناس فإنه يصلى عليه وفاءً له. منهم من يقيد الصلاة على الغائب باليوم الذي مات فيه جموداً على ما جاء في الخبر, ومنهم من قال إنه يصلى عليه إذا كان الميت في جهة القبلة, والنجاشي في جهة القبلة بالنسبة للمدينة, لأن مكة تقع بين المدينة والحبشة, وهذا أيضاً جمود على النص, ويقول به ابن حبان, وعلى كل حال المرجح صحة وجواز الصلاة على الغائب, لا سيما إذا كان له أثر في الإسلام أو أثر فيمن يصلي عليه على وجه الخصوص, كما لو توفي والد والابن لا يستطيع الحضور للصلاة عليه فإنه لا يُمنَع من الصلاة عليه لأنه له أثر في حياته وفضل عليه, ومثله لو توفي شيخ له فإنه يصلي عليه.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا: سَمِعْتُ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: {مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ, فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا, لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا, إِلَّا شَفَّعَهُمْ اَللَّهُ فِيهِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

مفهوم الحديث غير معتبر, لا في الميت ولا في المصلين عليه, لما ثبت في النصوص القطعية أن النساء شقائق الرجال, وحكم الرجال حكم النساء, إلا ما وردت الأدلة بتخصيص الرجل أو العكس. والمرأة ممنوعة من اتباع الجنازة ومن زيارة القبور, لكنها غير ممنوعة من الصلاة على الميت, وهي مخاطبة بالنصوص التي تدل على أن من صلى على جنازة فله قيراط, وعلى هذا لو مات رجل بين نساء فإنهن يصلين عليه, ولو صلى عليه أربعون امرأة فلا شك أنه يدخل في مثل هذا, لأن الوصف دلت الأدلة على عدم تأثيره, لأن هذا مما يشترك فيه الرجال والنساء. قوله (لا يشركون بالله شيئاً) ليُحرَص على أهل تحقيق التوحيد أكثر من غيرهم, هؤلاء هم الذين يُدعَون إلى الصلاة على الميت, ولا يُمنَع غيرهم من الصلاة عليه ولو كان من طوائف المبتدعة, لكن الحرص يكون على من لا يشرك بالله شيئاً, ليحصل الوعد المذكور في الحديث, ولأن هذه دعوة فيُدعَى للصلاة من ترجَى إجابة دعوته. والمبتدعة كغلاة الصوفية ومعظمي البشر والمعتزلة الذين جاء وصفهم بأنهم مجوس هذه الأمة وغيرهم لا يُدعَون للصلاة على الميت, لكن لو وُجِد منهم أحد كما في الحرمين فإنه لا يُخرَج منهم أحد, لأنه لم يثبت على مر التاريخ أن مثل هؤلاء يُمنَعون, لا من الصلاة العامة ولا من الصلاة الخاصة. لكن إذا دُعِي شخصٌ من أهل السنة للصلاة على مثل هؤلاء فإنه لا يجيب, لأن الصلاة شفاعة, والشفاعة لا تنال المشرك. وإذا كان الرجل في دائرة الإسلام فالدعاء له مشروع.

وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: {صَلَّيْتُ وَرَاءَ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا, فَقَامَ وَسْطَهَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قوله (ماتت في نفاسها) يعني بعد الولادة, أو أثناء الولادة. قوله (فقام وسطها) لعل من الحكم الظاهرة في هذا أن يستر هذا الوسط عن رؤية المصلين. وأما القيام بالنسبة للرجل فعند رأسه, ومن أهل العلم من يقول عند صدره, والنبي عليه الصلاة والسلام قام عند رأسه, لما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أنس أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على رجل فقام عند رأسه وصلى على مرأة فقام عند عجيزتها, يعني وسطها كما في هذا الحديث, فهذه هي السنة.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: {وَاَللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اَللَّهِ ? عَلَى اِبْنَيْ بَيْضَاءَ فِي اَلْمَسْجِدِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير