قالت عائشة رضي الله عنها ذلك رداً على من أنكر عليها الصلاة على الميت في المسجد. وابنا بيضاء هما سهل وسهيل, والبيضاء أمهما, وأبوهما وهب بن ربيعة. وعمر رضي الله عنه صلى على أبي بكر في المسجد, وصهيب صلى على عمر في المسجد, وما زالت صلاة الجنازة تؤدى في المسجد في عهده عليه الصلاة والسلام وبعده, ففي هذا رد على من يرى عدم إدخال الميت المسجد لشبهة التلويث أو لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على النجاشي في المصلى. فالصلاة على الميت في المسجد جائزة من غير كراهة, وبهذا يقول الجمهور, وذهب بعضهم إلى أنها لا تجوز, وبعضهم يطلق الكراهة, وبعضهم يتجاوز فيطلق عدم الصحة, لكن الراجح جواز الصلاة على الميت في المسجد, والاحتجاج عليهم بما ذُكِر.
وَعَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: {كَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا, وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ خَمْسًا, فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُهَا} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ. وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه {أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ سِتًّا, وَقَالَ: إِنَّهُ بَدْرِيٌّ} رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ, وَأَصْلُهُ فِي اَلْبُخَارِيِّ. وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: {كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ ? يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا وَيَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ اَلْكِتَابِ فِي اَلتَّكْبِيرَةِ اَلْأُولَى} رَوَاهُ اَلشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: {صَلَّيْتُ خَلَفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جَنَازَةٍ, فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الكْتِابِ فَقَالَ: "لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ"} رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ.
عبد الرحمن بن أبي ليلى من خيار التابعين وثقاتهم, وحديثه في الصحيحين وغيرهما, وابنه محمد الإمام الفقيه المشهور الذي يدور اسمه كثيراً في كتب الفقه, لكنه بالنسبة للرواية ضعيف سيء الحفظ, والأب من ثقات التابعين. قوله (كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعاً) هذا هو الغالب في التكبير على الجنازة, والتكبير على الجنازة جاء عدده متفاوتاً في الروايات الصحيحة من ثلاث إلى تسع, لكن الاتفاق في النهاية كما قال ابن عبد البر وغيره وقع على الأربع, وكانت التكبيرات تزاد في حق من زاد فضله وبان أثره, فمنهم من يقول إن هذا الاتفاق يمنع من الزيادة فيما بعد, ومنهم من يقول إن الزيادة ما زالت, ولذا يُذكَر عن بعض أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى وقتنا هذا من قد يزيد, لكن ينبغي أن يكون على قلة, وهذا إذا سُوِّغَت الزيادة, لكن يبقى أن الاتفاق له هيبة, وإن كان الأصل الجواز. النبي عليه الصلاة والسلام كبر على النجاشي أربعاً, وهذا الحديث يدل على الخمس, فذهب الجمهور من السلف والخلف ومنهم الأئمة الأربعة وكثير من أتباعهم إلى أن الأمر استقر على الأربع, فلا يزاد عليها, ومنهم من يرى أنه ما دامت الزيادة قد ثبتت من فعله عليه الصلاة والسلام فإنه لا مانع من الزيادة على الأربع حسب قوة الأثر لهذا الشخص في الدين, ولذا علي رضي الله عنه لما صلى على سهل بن حنيف كبر عليه ستاً وقال إنه بدري, وهذا رواه سعيد بن منصور وأصله في البخاري, وفي البخاري أن علياً رضي الله عنه كبر على سهل بن حنيف – من دون ذكر الست - وقال إنه شهد بدراً. والتعليل بشهوده بدراً يدل على أن هناك زيادة في العدد, والبرقاني في مستخرجه ذكر هذه الزيادة, يعني من الطريق التي روى بها البخاري الحديث, فهذا يدل على استمرار الزيادة لمن كان له أثر. وعند البيهقي من حديث أبي وائل قال: كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً وخمساً وستاً وسبعاً - وابن عبد البر أخبر بما هو من الثلاث إلى التسع - فجمع عمر رضي الله عنه أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم فأخبر كلٌّ بما رأى, فجمعهم عمر على أربع تكبيرات. وهذه حجة من لا يرى الزيادة, يقول لأنه أفتى به عمر وجمع الناس عليه ولم يخالفه أحد, لكن صنيع علي رضي الله عنه لما كبر على سهل بن حنيف ستاً - وإن كان العدد ليس في الصحيح - وتعليله بكونه شهد بدراً يشعر بأن هناك زيادة في العدد, فهذا يستدل به بعضهم على أنه لم يحصل
¥