تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا الحديث لا يوجد في مسلم, وإنما هو موجود في السنن, وأعله بعضهم, لكن العلة التي ذُكِرَت لا تقدح, فأقل أحوال الحديث الحُسْن, وهو مقبول في الجملة. قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة يقول) يعني من ضمن ما يقول من الأدعية بعد التكبيرة الثالثة هذا الدعاء. الصغير لم يقترف ذنباً يعاقب عليه, لأنه غير مكلف, لكن يدعى له لأنه موجود, وتكون الدعوة موقوفة حتى يكلف ويرتكب الذنب. الحي يشمل الشاهد والغائب والصغير والكبير والذكر والأنثى, وكذلك الميت يشمل ذلك كله, لكن هذا تفصيل لما قد يعزب عن الذهن أثناء الدعاء فيُستَحضَر. قوله (من أحييته منا فأحيه على الإسلام) أي على الأعمال الظاهرة المتطلبة للباطنة, وقوله (ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان) أي على الكمال, لأن الإيمان أكمل من الإسلام, فيُطلَب الكمال عند الخاتمة. وهذا نوع من أنواع أدعيته عليه الصلاة والسلام إضافةً إلى ما تقدم. وجاء في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما (اللهم أنت ربها, وأنت خلقتها, وأنت هديتها إلى الإسلام, وأنت أعلم بسرها وعلانيتها, وأنت قبضت روحها, جئناك شفعاء فاغفر له, اللهم إنه في ذمتك وحبل جوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار, وأنت أهل الوفاء والحمد, اللهم فاغفر له وارحمه, إنك أنت الغفور الرحيم). والمقصود أنه حُفِظ أدعية عن النبي عليه الصلاة والسلام, فإن أمكن أن تقال جميعها, وإلا يُقتَصر على بعضها.

وَعَنْهُ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى اَلْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ اَلدُّعَاءَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

هذا حديثٌ حسن. قوله (فأخلصوا له الدعاء) لأن الصلاة على الميت شفاعة, والإنسان يدعو من أجل أن يُستَجاب له, فإذا لم يخلص في دعائه ولا في شفاعته فحريٌّ ألا يُستَجاب الدعاء ولا تُقبَل الشفاعة, وصلاته حينئذ تكون عبثاً, ولا يترتب عليها الأثر المنوط بها لا بالنسبة للمصلي ولا بالنسبة للمصلى عليه. فإذا أخلص المصلي وأحضر قلبه نفع أخاه بدعائه الذي أخلص فيه, وانتفع هو بهذه الصلاة وترتب عليها أثرها من الأجر الآتي ذكره إن شاء الله تعالى. للمظلوم أن يدعو على الظالم في حياته بقدر مظلمته لقوله تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء إلا من ظُلِم) وإن ترك الدعاء استوفى حقه كاملاً يوم القيامة, وإن أباحه وحلله ضوعف له في الأجر لقوله تعالى (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) وفي الحديث (ما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {أَسْرِعُوا بِالْجَنَازَةِ, فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ, وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الأمر في قوله (أسرعوا بالجنازة) يراد منه المبادرة وتقليل الوقت بين خروج الروح وإدخاله القبر, فيُبادَر بتجهيزه والصلاة عليه, ويُسرَع في المشي أيضاً إلى المقبرة. منهم من يفهم أن الإسراع هو مجرد الطريق من المسجد بعد الصلاة عليها إلى دفنها, لكن العلة تتناول جميع ما يحتاجه الميت من خروج روحه إلى إدخاله في قبره. يقول أهل العلم: يسن الإسراع بها دون الخَبَب, يعني دون ما يؤثر على الحامل وعلى المشيع, ولا يعرِّض الميت للسقوط. ولا يقتضي الحديث أن نسرع بالصلاة, لأن إطالة الصلاة من مصلحة الميت ومن مصلحة المصلي. قوله (فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه) لأنها تُقدَّم إلى روضة من رياض الجنة, ولذا جاء في الخبر أنه يقول (قدموني قدموني). وقوله (وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) لأن التخلص من الأشرار مطلوب أحياءً وأمواتاً, والميت منهم يبادر بدفنه ويستراح منه. وجاء في الخبر أنها تقول (أخروني أخروني) لأنها تقدم على جزاء عملها السيء. قوله (تضعونه عن رقابكم) أي عنكم, وذكر الرقاب لا يقتضي حقيقة الرقبة, لأن بعضهم يستدل بهذا على أن المراد به الإسراع في أثناء حملها, لكنها تُحمَل على المناكب لا على الرقاب, اللهم إلا إذا وُجِد من الحملة الأربعة شخص قصير يريد أن يضعها على رأسه فإنه ممكن. لكن الأصل أنها تُوضَع على المناكب, فالرقبة ليست مقصودة بذاتها, فلا يقال إن المراد بهذا الإسراع بها أثناء حملها, بدليل أنهم يقولون (فلان تحمل في رقبته ديناً) فليس المراد الرقبة على وجه التخصيص, وإنما لأن الأصل أن يوضع القيد في رقبة المدين أو المطلوب عموماً ويُسلَّم لدائنه أو لطالبه فتعدى هذا إلى بقية التصرفات, ولا يراد حقيقة الرقبة. والأمر بالإسراع نقل جمع من أهل العلم الاتفاق على أنه للندب لا للوجوب, وأوجبه ابن حزم. وإذا كانت الوفاة فجأة وأريد التأكد من ذلك لوجود احتمال فلا شك أن التأخير واجب, ويُذكَر قصص في بعض المستشفيات أنه يُحكَم على الشخص بالموت ويُكتَب تقرير وفاته ويُدخَل الثلاجة ثم بعد ذلك يوجد وهو جالس وقد مات من البرد, فمثل هذا لا يُستَعجل فيه ولا يُكتب التقرير حتى يُجزَم أنه مات. فإذا وُجِد هذا الاحتمال لا تجوز المبادرة والإسراع إلا بعد التأكد, فيجب التثبت في مثل هذا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير