ـ[أبوهاجر النجدي]ــــــــ[20 - 11 - 07, 11:00 م]ـ
"المجلس الرابع"
وَعَن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم {"مَنْ شَهِدَ اَلْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ, وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ". قِيلَ: وَمَا اَلْقِيرَاطَانِ? قَالَ: "مِثْلُ اَلْجَبَلَيْنِ اَلْعَظِيمَيْنِ"} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: {حَتَّى تُوضَعَ فِي اَللَّحْدِ}. وَلِلْبُخَارِيِّ: {مَنْ تَبِعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا, وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطَيْنِ, كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ}.
قوله (من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط) أي من حضر الجنازة, والمقصود بذلك الصلاة على الجنازة, لأن ما قبل الصلاة وسائل, يعني كون الإنسان يتبعها حتى يصلى عليها هذه وسيلة للصلاة عليها, بدليل أنه جاء في بعض النصوص ترتيب القيراط على الصلاة. ومن حضر الجنازة لكن لم يصل عليها فليس له قيراط, للتصريح بصلاته عليها في النصوص الأخرى, وليس المراد مجرد الشهود, وهذا كما جاء في الحديث الآخر (ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة) فلا يكفي مجرد الشهود, وإنما المقصود فعل الصلاة.
قوله (ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان) يعني من حضرها حتى تدفن, بأن يتبعها ويشيعها من المصلى إلى المقبرة, لأن الاتباع والتشييع له أثر وذُكِر في النصوص الأخرى. فمن صلى عليها ثم تبعها إلى المقبرة ثم شهد الدفن وشارك فيه فله قيراطان. لكن إذا تبعها من المسجد وحال دونه ودونها ما هو خارج عن إرادته فإنه يعد تابعاً لها, لأن هذا الأمر ليس في يده. ولو قال أنا أجلس في المسجد أقرأ جزءاً من القرآن وأصلي الراتبة حتى تنفك الزحمة وأصل معهم, فإنه لم يتبع الجنازة. والقيراطان للصلاة وللدفن, وإن كان بعضهم فهم من اللفظ أنه إذا صلى فله قيراط, وإذا شهد الدفن فله ثلاثة قراريط. قوله (حتى توضع في اللحد) وقبله قال (حتى تدفن) أي حتى توارى بالتراب, وجاء في رواية (حتى يفرغ من دفنها) فعندنا مجرد وضعها في اللحد ولو لم تدفن, كما دلت عليه رواية مسلم, وعندنا أيضاً (حتى تدفن) يعني حتى يُشرَع في دفنها وتوراى بالتراب ولو لم يتم الدفن, وعندنا الرواية الثالثة (حتى يفرغ من دفنها) فالرواية الأولى تقتضي أن القيراط مرتب على مجرد وضعها, والثانية تقتضي أن القيراط مرتب على مواراتها بالتراب ولو لم يفرغ منها, والثالثة تقتضي أن القيراط مرتب على الفراغ من دفنها, ولا شك أن الذي ينتظر حتى يفرغ من دفنها ينال القيراط بيقين, وأما إذا انصرف قبل ذلك فقد دلت بعض الروايات أن له قيراط, لكن الرواية الأخرى تدل على أنه ليس له القيراط, فضلاً عن كونه ينصرف بمجرد وضعها ولا يشارك في دفنها. قوله (من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً) يعني إيماناً بالله جل وعلا وتصديقاً وإذعاناً, واحتساباً بالإخلاص في طلب الثواب من الله جل وعلا وبالإحسان على أخيه بالدعاء له وأداء حقه, لا مكافأةً له, لأن كثيراً من الناس يتكلف الحضور إلى الجنازة, ولكن يُحرَم الأجر بسبب قصده, بحيث يكون قصده من الحضور مكافأة أهل الميت على حضورهم جنازة ميتٍ له. قوله (وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين) هذا نص مفسر لما تقدم, فيرجع بقيراطين, قيراط للصلاة وقيراط للاتباع والدفن. قوله (كل قيراط مثل أحد) بعض الناس لا يطلب هذا القيراط, بل يسعى في نقص أجره في كل يوم قيراط, فمن اقتنى كلباً إلا ما استثني - ككلب الصيد والزرع والغنم - فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط, وفي رواية لمسلم قيراطان, فإن كان القيراط المذكور في اقتناء الكلب هو القيراط المذكور في الصلاة على الجنازة واتباعها فالأمر عظيم. القيراط في عرف الناس جزء من أربعة وعشرين جزءاً, ولذا قال بعضهم إن المراد بالقيراط جزء من أربعة وعشرين جزءاً من عمل المصلى عليه, وهذا غريب, ولما أراد تنزيل القيراط على القيراط العرفي احتاج إلى شيء ينسبه إليه, أي هو جزء من أربعة وعشرين جزءاً, لكن من أي شي؟ فما وجد إلا أن يقول (من عمل المصلى عليه) وبناءً على ذلك حث على الحرص على الصلاة على الأخيار, لأن الأخيار هم أصحاب الأعمال
¥