الصالحة الذين تكثر أجورهم. لكن هذا في مقابل ما عندنا من نص صريح لا يُعوَّل عليه, فقد جاء تفسير القيراط في الحديث الصحيح بكونه مثل جبل أحد, وفي رواية أصغرهما مثل جبل أحد. وقد تقدم الحث على الإسراع بالجنازة, في تجهيزها وفي الصلاة عليها وفي المشي بها وفي دفنها, وجاء الحث على حمل الجنازة, واستبق إلى ذلك الصحابة ومن بعدهم من خيار الأمة وحملوا الجنائز, ولذا ينص أهل العلم على أنه يسن التربيع في حملها, بأن يحملها أربعة ويتناوبون الأماكن أو يتناوبون مع غيرهم, ومنهم من حملها بين العمودين, وكل هذا على حسب ما تقتضيه الحاجة, فبعض الأموات ثقيل فيحتاج إلى أربعة, وبعضهم خفيف فيُحمَل بين العمودين من قِبَل اثنين, وعثمان بن عفان رضي الله عنه حمل جنازة أمه بين العمودين, وثبت أيضاً عن غيره من الصحابة, والتربيع أيضاً ثبت.
وَعَنْ سَالِمٍ, عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه {أَنَّهُ رَأَى اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ, يَمْشُونَ أَمَامَ الْجَنَازَةِ} رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَأَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ وَطَائِفَةٌ بِالْإِرْسَالِ.
ممن أعله بالإرسال الإمام أحمد رحمه الله, وقال الترمذي: أهل الحديث يرون المرسل أصح. ومنهم من حكم بوصله, والحديث على كل حال مصحح عند جمع من أهل العلم. وهو دليل على أن المشاة يكونون أمام الجنازة, وجاء ما يدل على أن الركبان خلفها, والقول بأن المشاة يمشون أمامها هو قول الأكثر, والحنفية يرون المشي خلفها مطلقاً للمشاة والركبان, ومنهم من قال يتفرقون خلفها وأمامها وعن يمينها وعن شمالها, ليكون أيسر لهم وأسهل, وعلى كل حال الحديث يستدل به من يرى أن المشاة يكونون أمام الجنازة, وهو قول أكثر العلماء, لكن إن كان لا يستطيع اللحوق بهم ومشى خلفها وتبعها فهذا هو مقتضى الاتباع, فمقتضى الاتباع أن يكون خلف الجنازة, لأن التابع يكون خلف المتبوع, والحديث يُنزَّل على من يستطيع السرعة ويمشي أمام الجنازة ليصل قبلها ويهيئ لها ما يُحتَاج إليه, وهذا أفضل, والذي لا يستطيع أن يمشي أمامها وتبعها حصل له الأجر الموعود إن شاء الله تعالى, وهو مقتضى الاتباع.
وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: {نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ, وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا} مُتَّفَقٌ عَلَيْه ِ.
هذه الصيغة لها حكم الرفع عند الجمهور, لأنه لا يُتَصور أن يقول الصحابي (أُمِرنا) و (نُهِينا) في مسألة شرعية وهو لا يريد بذلك من له الأمر والنهي, وهو النبي عليه الصلاة والسلام, وأبو بكر الإسماعيلي وبعض أهل العلم وهم قلة يرون أن الصحابي لا بد أن يصرح بالآمر, وإلا فهو يحتمل أن يكون غير النبي عليه الصلاة والسلام, ولذا لا يُحكَم له بالرفع. فقولها (نُهِينا) مرفوع على القول الصحيح, وصرحت بالناهي في بعض الروايات, فقالت كما في البخاري (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا مرفوع قطعاً, والجمهور على أنه لا فرق بين قولها (نهانا) وقول النبي عليه الصلاة والسلام (لا تتبعوا الجنائز) فلا فرق بين أن ينقل الصحابي اللفظ النبوي أو يعبر عنه, وهما في دلالتهما على التحريم سيان. ويُنقَل عن داود الظاهري وبعض المتكلمين أن قول الصحابي (أمرنا) أو (نهانا) لا يدل على الأمر أو على النهي, لاحتمال أن يسمع كلاماً يظنه أمراً أو نهياً وهو في الحقيقة ليس بأمرٍ ولا نهي, لكن هذا كلام باطل, لأننا بهذا نشكك في نقل الشرع إلينا, لأن الصحابة عايشوا النبي عليه الصلاة والسلام وعرفوا موارده ومصادره مقاصده وهم العرب الأقحاح الذين فهمهم سالم من الشوائب, وإذا لم يعرفوا مدلولات الألفاظ فهل يعرفها من اختلطت ثقافته بثقافات الأمم الأخرى؟!! وهل يعرفها من لم يهتم بالدين كاهتمام الصحابة؟!! كيف نفهم النصوص إذا لم يفهمها الصحابة؟!!.
الأصل في النهي التحريم, وقولها (ولم يُعزَم علينا) صارف للنهي من التحريم إلى الكراهة, وبهذا قال جمع من أهل العلم. لكن الاتباع غير الزيارة, فالزيارة ثبت فيها اللعن, والصلاة على الجنازة مطلوبة من النساء كالرجال, ولها من الأجر مثل ما رُتِّب للرجال, لكنهن منهيات عن الاتباع, وليس فيه أجر, بل هو مكروه عند الجمهور, وأما الزيارة فإنها محرمة.
¥