تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا, فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْه ِ.

قوله (إذا رأيتم الجنازة فقوموا) يعني إذا مرت بكم, كما جاء في بعض النصوص, والأمر بالقيام للجنازة إذا مرت ثابت, وتشمل جنازة المسلم والكافر, لأن القيام من أجل الموت, والموت له رهبة, ويستوي فيه المسلم والكافر, ومن أجل الذي قبض روح هذا الميت, كما جاء تعليله في بعض النصوص. وجاء أن النبي عليه الصلاة والسلام مرت به جنازة فلم يقم, فمن أهل العلم من يرى أن الترك للقيام ناسخ, فيكون القيام للجنازة منسوخاً, ومنهم من يرى أن القعود وعدم القيام صارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب. ويبقى أن المسلم إذا مرت به جنازة قام, وإذا رأى الجنازة قام ولو لم تمر به, لأن النص بالمرور يحكي حالة, والذي معنا (إذا رأيتم الجنازة فقوموا) وفي كثير من المساجد يُهيأ مكان للصلاة على الجنازة في المسجد ويكون دونها باب مغلق أثناء صلاة الفريضة ثم يُفتَح هذا الباب وهي باقية في مكانها, وحديث الباب يدل على أن من رآها يقوم ولو لم تمر به, لكن ننظر أيضاً إلى عدم القيام ومجرد الترك في آخر الأمر هل هو ناسخ أو صارف؟ وهو محتمل, وكثير من أهل العلم يرى أن القيام منسوخ, ومنهم من يرى أنه صارف, فمن لم يقم لم يأثم, وكأن شيخ الإسلام يرى أنه صارف غير ناسخ. قوله (ومن تبعها فلا يجلس حتى توضع) يحتمل أن يكون الوضع هنا على الأرض, ويحتمل أن يكون الوضع في اللحد, وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه جلس وجلس أصحابه من حوله انتظاراً للدفن, وكان ينكت في عود وحدثهم وهو جالس, فالمرجح أن المراد حتى توضع على الأرض لا في اللحد, وتُنتَظر من جلوس أثناء الدفن. مروان جلس قبل أن توضع ومعه أبو هريرة رضي الله عنه, فجاء أبو سعيد فأخذ بيديه, وهذا إنكار بالفعل, وقال (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس حتى توضع) وأبو هريرة رضي الله عنه أخذ بالرخصة, وأن هذا هو الأولى, وأنه لا يأثم من جلس قبل ذلك, لكن مخالفة النهي في قوله (فلا يجلس) ليست بالهينة, وأبو سعيد رضي الله عنه عُرِف بمواقفه في الإنكار, وأنكر على مروان وهو على المنبر, ولما أراد أن يخطب قبل الصلاة أنكر عليه, وأبو هريرة رضي الله عنه ترخص ورأى أن هذا في مثل هذا الموضع يمكن أن يُتجَاوز عنه. في معاملة الكبار هل يُسكَت عن مثل هذا ويجامَل فيه ويدارى فيه تحصيلاً لمصالح أعظم؟ أو تتبع النصوص ويدار معها من غير نظر إلى غيرها؟ لا شك أن الإسلام جاء بتحصيل المصالح ودرء المفاسد, والأصل (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه) لكن إذا ترتب على مثل هذا الإنكار منكر أعظم منه فلا شك أن الإنكار حينئذ يكون مرجوحاً, وأهل العلم ينصون على هذا.

وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ, أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ رضي الله عنه {أَدْخَلَ الْمَيِّتَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ الْقَبْرَ، وَقَالَ: هَذَا مِنَ السُّنَّةِ} أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.

أبو إسحاق هو السَّبيعي, وعبد الله بن يزيد هو الخطمي, صحابي شهد الحديبية. قوله (من قِبَل رجلي القبر) أي الموضع من القبر الذي توضع فيه الرجلان, وهو من إطلاق الحال وإرادة المحل, والموضع الذي يوضع فيه الرأس من القبر هو رأس القبر. وقول الصحابي (من السنة) له حكم الرفع, والحديث يدل على أن أول ما يُنزَل في القبر الرجلان وما يليهما, وهذا الوضع مناسب جداً, لأن تدلية الرجل من قِبَل رأسه ليس هو الوضع الطبيعي, والإنسان في حياته أول ما يضع رجليه قبل رأسه, ثم يضع رأسه, وحرمة المؤمن بعد موته كحرمته حال حياته, فيُصنَع به كما يصنع في الحياة. هذا ما يدل عليه هذا الحديث, وبه قال الشافعية والحنابلة, ومنهم من قال إن الرأس أفضل فيوضع في القبر قبل, وروى الشافعي عن الثقة مرفوعاً – والثقة عنده إبراهيم بن أبي يحيى كما نص على ذلك أهل العلم وجماهير العلماء على ضعفه – من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم سلَّ ميْتاً من قِبَل رأسه. وهو أحد قولي الشافعي, والقول الأول هو الذي يؤيده حديث الباب, وهناك قول ثالث وهو لأبي حنيفة وهو أنه يُسَلُّ من قِبَل القبلة معترضاً, بحيث يوضع رأسه ورجلاه في آنٍ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير