واحد, والذي يدل عليه حديث الباب أن الذي الرجلان توضعان في اللحد قبل الرأس, وهذه هي السنة كما قال عبد الله بن يزيد, لكن إذا لم يتيسر ذلك, وخشي مثلاً من ثقل الميت وأنه لو دُلِّيَت الجهة التي فيها الرجلان قبل جهة الرأس أو العكس أنه يسقط من حامليه لثقله فإنه يُسَل سلاًّ ويُفعَل الأرفق به وبحامله.
مسألة ستر القبر عند إدخال الميت فيه: جاء من حديث ابن عباس عند البيهقي وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام جلل القبر في جنازة سعد, لكنه ضعيف, والصحابة يرون أن يُبسَط رداء إن كان الميت امرأة, بل نزع بعضهم الرداء لما وُضِع على جنازة رجل ورأى أن هذا خاص بالنساء اللاتي هن بحاجة إلى ستر.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقُبُورِ, فَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ, وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالْوَقْفِ.
هذا الحديث صححه جمع من أهل العلم, وأعله النسائي والدار قطني بالوقف. ورفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام فيه ما فيه, لكن له شواهد, وإن كانت مفرداتها لا تثبت, فبمجموعها تدل على أن له أصلاً. وجاء أيضاً قوله بعد وضعه في قبره (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى) وهذا الحديث خرَّجه البيهقي مرفوعاً, لكنه ضعيف. فيستحب أن يقال (بسم الله وعلى ملة رسول الله) والذي يعمل بالضعيف في مثل هذا الموطن - وهم الجمهور - وهو في الترغيب يقول بعد ذلك (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى) والذي لا يعمل بالضعيف مطلقاً لا يعمل بمثل هذا.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا; أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا} رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِم. وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: {فِي الْإِثْمِ}.
الاعتداء على الميت كالاعتداء على الحي, فالمسلم محترم حياً وميتاً. الذي يكسر العظم في حال الحياة يضمن ويقتص منه وتؤخذ قيمة جنايته, ومقتضى الرواية الأولى أن من كسر رجل الميت مثلاً فإنه تكسر رجله أو تؤخذ ديتها إن لم يمكن الاقتصاص, لكن رواية ابن ماجه تدل على أن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم لا في الاقتصاص كما في الدنيا, فيختلف الحي عن الميت في أن الحي الجناية عليه توجب الاقتصاص أو الدية, وأما الجناية على الميت فمقتضى الرواية الأولى أنه كالحي, ومقتضى الرواية الثانية أنه لا يقتض منه. لكن إذا عُرِف شخص باعتدائه على الأموات لأن في نفسه شيء على هذا بعينه أو على قبيلة بعينها أو على بلد بعينه فمثله يعزر تعزيراً بليغاً يردعه عن فعله, لأن المسلم محترم. إذا احتيج إلى الكسر لأن القبر صغير والمساحة ضيقة بحيث لا يمكن توسيع القبر أو لأن القبر صلب لا يمكن الزيادة فيه - والمسألة مفترضة في عدم وجود غير هذا القبر الصغير - فإن الميت يثنى ولا يكسر.
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: (أَلْحَدُوا لِي لَحْدًا, وَانْصِبُوا عَلَى اللَّبِنِ نُصْبًا, كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) رَوَاهُ مُسْلِم. وَلِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُهُ, وَزَادَ: {وَرُفِعَ قَبْرُهُ عَنِ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ} وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّان.
اللحد والإلحاد هو الميل, واللحد في القبر الميل به إلى جهة القبلة, بأن يُحفَر في داخل القبر إلى جهة القبلة, فيوضع فيه الميت. وأما الشق فهو مجرد الحفر في الأرض دون ميل إلى جهةٍ بعينها. وكان في المدينة رجل يلحد القبور ورجل لا يلحد, فطُلِب أحدهما فجاء الذي يلحد فحفر للنبي عليه الصلاة والسلام لحداً, هكذا جاء عند أحمد وابن ماجه بإسناد لا بأس به, فدل على جواز الأمرين, وإن كان اللحد أفضل, لأن الله جل وعلا ما كان ليختار لنبيه إلا الأفضل, وجاء في الحديث (اللحد لنا والشق لغيرنا) وعلى كل حال إذا لم يمكن اللحد فالشق لا بأس به, كما لو كانت الأرض رخوة بحيث لو تُعُرِّض لها من أي جهةٍ منها انهارت, لكن إن أمكن اللحد فهو أفضل من
¥