الشق. قوله (وانصبوا علي اللبن نصباً) بأن تجعل واقفة مائلة إلى جهة اللحد. قوله (كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم) هذه هي السنة. قوله (ورُفِع قبره عن الأرض قدر شبر) صححه ابن حبان, لكنه معلول, وقد جاء النهي عن كون القبور مشرفة يعني مرتفعة, وأوصى النبي عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب ألا يرى قبراً مشرفاً إلا سواه, لكن يرفع القبر قدر شبر بحيث يتميز ويعرف أنه قبر, وأما أكثر من ذلك فهو إشراف لهذا القبر, وتجب تسويته. فيرفع القبر بقدر ما يعرف أنه قبر, وذلك يتم بكونه قدر شبر, ويكون أيضاً مسنَّماً أي محدَّباً, لأنه إذا كان مسطحاً استقرت عليه المياه وأثرت عليه, وكونه مسنَّماً لا يجعل الماء يستقر عليه.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْهُ: {نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ, وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ, وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ}.
تجصيص القبور والبناء بالإسمنت مثلاً أو بالرخام كما يفعل في بعض البلدان أو رفعها وتشييد الأبنية عليها كل هذا من البدع المنهي عنها, وهي من وسائل الغلو في الأشخاص والشرك, وما وقع الشرك الأكبر في الأمة إلا بهذه الوسيلة, نسأل الله السلامة والعافية, وتتابع المسلمون في أقطار الأرض على هذا, وبنوا على القبور ثم شيدوا وبالغوا ورفعوا الأضرحة فوقع الشرك الأكبر في هذه الأمة. وقد سمع الشيخ في موسم الحج أحدهم يقول وهو يطوف بالكعبة (يا فلان - سماه باسمه - جئنا بيتك وقصدنا حرمك نرجوا مغفرتك) نسأل الله السلامة والعافية. وقد سد النبي عليه الصلاة والسلام جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك وحمى جناب التوحيد, ولهذا نهى أن يبنى على القبر وأن يجصص. قوله (وأن يُقعَد عليه) لأن القعود عليه إهانة, وفي حديث أبي مرثد الغنوي عند مسلم (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها) فالجلوس على القبر حرام. الإمام مالك رحمه الله تعالى يجوِّز الجلوس على القبر فيما يُذكَر عنه, ويحمل ما جاء في ذلك على الجلوس والقعود لقضاء الحاجة, ويُذكَر عن بعض الصحابة أنه كان يتوسد القبر ويضطجع عليه, لكن لم يبلغهم مثل هذا النص قطعاً, وجاء في الحديث (لأن يقعد أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه وتخلص إلى جلده خير من أن يقعد على قبر).
وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رضي الله عنه {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ, وَأَتَى الْقَبْرَ, فَحَثَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ, وَهُوَ قَائِمٌ} رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيّ ُ.
هذا الحديث ضعيف جداً. والمشاركة في الدفن مطلوبة ورُتِّب عليها الثواب العظيم, لكن الحديث بهذه الصيغة ضعيف لا يثبت, وذكر بعضهم حديث أبي هريرة (من حثا على مسلم احتساباً كُتِب له بكل ثراةٍ حسنة) لكنه أيضاً ضعيف جداً. ودفن الميت فرض كفاية, والمشاركة فيه فيها ثواب عظيم.
وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ: {كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اِسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ, فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ"} رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم.
هذا الحديث مصحح عند أهل العلم, ولا بأس به. قوله (وسلوا له التثبيت) لأنه إذا وضع في قبره وتم دفنه وانصرفوا وسمع قرع نعالهم يأتيه ملكان فيسألانه أسئلة, فيُسأل للمسلم التثبيت وذلك بالإجابة الصحيحة عن هذه الأسئلة. قوله (فإنه الآن يُسأل) من قِبَل الملكين, وجاءت تسميتهما عند ابن حبان والترمذي بأنهما منكر ونكير, والكلام في التسمية معروف عند أهل العلم, لكن هما ملكان جاء وصفهما بالغلظة والشدة. والميت إذا دفن تعاد إليه روحه وإذا أكلته السباع أو حُرِّق وذُرِّي في الهواء فإن الله جل وعلا قادر على إعادته على الكيفية التي يشاءها. والنعيم والعذاب في الدنيا يكون على البدن, وفي البرزخ على الروح, فالروح في البرزخ هي التي تجيب والنعيم والعذاب يقع عليها, وفي الآخرة يكون النعيم والعذاب على الروح والبدن.
وَعَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ أَحَدِ التَّابِعِينَ قَالَ: {كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا سُوِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْرُهُ, وَانْصَرَفَ اَلنَّاسُ عَنْهُ, أَنْ يُقَالَ عِنْدَ قَبْرِهِ: يَا فُلَانُ! قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ. ثَلَاثُ مَرَّاتٍ, يَا فُلَانُ! قُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ, وَدِينِيَ الْإِسْلَامُ, وَنَبِيِّ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم} رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَوْقُوفًا. وَلِلطَّبَرَانِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا مُطَوَّلاً.
التابعي إذا قال (كانوا) فإنه يعني الصحابة. والخبر يدل على أن الميت يلقن في قبره, لكنه خبرٌ ضعيف, لا يشك أهل المعرفة بالحديث أنه لا أصل له, فلا يُعمَل به. وعرفنا أن التلقين الذي جاء في قوله (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) يكون لمن حضرته الوفاة, ليكون آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله.
¥