تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا مِتُّ فابكيني بما أنا أهلُهُ وشُقِّي عليَّ الجيب يا ابنة معبدِ

فإذا وُجِد من يوصي فلا شك أنه آثم بوصيته, ومنهم من حمل الحديث على الكفار, وأن المؤمن لا يُعذَّب بذنب غيره, لكن نقول: من عدل الله جل وعلا ألا يعذب أحداً بذنب غيره, لا مسلم ولا كافر. ومنهم من يقول إن معنى التعذيب هنا توبيخ الملائكة, فإذا ذُكِر هذا الميت بحسنة من حسناته أو بفعل من أفعاله قيل له: وهل أنت كذلك؟ لكن العذاب يدل على أن له أثر في المعذَّب, ومنهم من قال إن المراد أنه يتألم في قبره مما يسوءه, فبكاؤهم ونياحتهم لا شك أنها تؤثر فيهم, فهو يتألم من أجل هذا الأثر فيهم, والألم عذاب. والجمهور حملوه على ما إذا أوصى, فيكون إثمه ووزره على فعله, وعلى هذا يتحد الحديث مع الآية.

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: {شَهِدْتُ بِنْتًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُدْفَنُ, وَرَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عِنْدَ اَلْقَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ} رَوَاهُ اَلْبُخَارِيّ.

جاء في بعض الروايات أن البنت هي أم كلثوم, وقال بعضهم إنها رقية, لكن رده البخاري بأن رقية ماتت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر, فلم يشهد دفنها. فالمتجه أنها أم كلثوم, وتسميتها لا يتعلق بها حكم, وإنما الحكم متعلق ببكاءه عليه الصلاة والسلام بمجرد دمع العين وحزن القلب, ولا يقال في مثل هذا الظرف إلا ما يرضي الله جل وعلا, كما قال عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه إبراهيم (إن القلب ليحزن, وإن العين لتدمع, ولا نقول إلا ما يرضي ربنا, وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون) ولا شك أن الإنسان يؤثر فيه موت قريبه أو عزيز عليه, لكن لله ما أخذ وله ما أعطى, ومثل هذا الموقف من المضايق, فالإنسان يصعب عليه أن يتصرف التصرف الشرعي مثل تصرفه عليه الصلاة والسلام, بأن يحزن القلب وتدمع العين ولا يكون في القلب أدنى اعتراض على قدر الله جل وعلا, لأن حزن القلب ينشأ عنه الاعتراض, سواء كان ملفوظاً به أو غير ملفوظ به, وهذا نظير ما لو باشر الإنسان السبب ولم يلتفت إلى السبب ألبتة, ولذا قال عليه الصلاة والسلام في حديث السبعين الألف (لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) مع أن هذه أسباب, والمسبِّب هو الله جل وعلا, لكن لا يمكن أن تباشر هذه الأسباب ولا تخدش هذه المباشرة بتوكلك, وليس الكلام مع من يعتمد كلياً على السبب, بل الكلام مع شخص يرى أن المسبِّب هو الله, لكن ألا يقر في قلبه الالتفات إلى السبب لا سيما إذا وجد النفع المباشر من العلاج مثلاً؟ النبي عليه الصلاة والسلام باشر الأسباب, لكن لا يتصور بحال أنه التفت إلى شيء من هذه الأسباب, بل علاقته مع المسبِّب. وهنا لا يتصور أنه عليه الصلاة والسلام اعترض على القدر بحال, وبعض الناس يقول إن الرضا بالقدر هو أن يكون رضاك بما قدر الله جل وعلا أفضل من رضاك بعدمه, يعني إذا مات لك ولد يكون في قلبك ارتياح لموت هذا الولد أكثر من بقاءه, وهذا صعب بالنظر إلى حال كثير من الناس, ولذا الحريص على الرضا بالقدر لما صَعُب عليه الأمر وضاق في نظره التوفيق لما مات ولده ضحك, ليحقق تمام الرضا بالقدر, لأنه يقول: لا يمكن أن يحزن القلب وتدمع العين ولا أعترض على القدر. لكن هذا خلاف السنة. والمصائب مكفرة للذنوب, ويشترط جل أهل العلم لتكفيرها أن يصبر ويحتسب, ومنهم من يقول إن الأجر المرتب على المصيبة إنما هو على المصيبة ولو لم يصبر, وأجر الصبر قدر زائد على أجر المصيبة, وفضل الله واسع.

وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {لَا تَدْفِنُوا مَوْتَاكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَّا أَنْ تُضْطَرُّوا} أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه. وَأَصْلُهُ فِي "مُسْلِمٍ", لَكِنْ قَالَ: زَجَرَ أَنْ يُقْبَرَ اَلرَّجُلُ بِاللَّيْلِ, حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير