تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحديث الذي أخرجه ابن ماجه صحيح إن شاء الله تعالى. قوله (لا تدفنوا موتاكم بالليل) لأن الدفن في الليل سبب للتقصير في حق الميت, كما دلت على ذلك النصوص الأخرى, لأن الصلاة عليه بالليل تحول دون الصلاة عليه من قِبَل كثير من الناس, فيقل من يصلي عليه ويقل من يشيعه, وقد لا يكفن في كفن مناسب, ولذا زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه, فالزجر سببه عدم الصلاة عليه لا قبره بالليل, لقوله (حتى يصلي عليه) لأنه قد يُذكَر النهي عن الشيء في حالٍ معينة أو يُطلَب الشيء في حالٍ معينة فلا يسري على بقية الأحوال, فقول يوسف عليه السلام (توفني مسلماً) المراد به طلب الوفاة على الإسلام وليس المراد به طلب الوفاة, وهنا زجر أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه, أي إلى هذه الغاية, فإذا صلي عليه جاز الدفن بالليل, وجوازه يدل عليه أدلة كثيرة, فأبو بكر رضي الله عنه دفن ليلاً, وعلي رضي الله عنه دفن فاطمة ليلاً, وفعل الصحابة يدل على هذا. وفي الترمذي من حديث ابن عباس (أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل قبراً ليلاً فأُسرِج له سراج فأخذه من قِبَل القبلة) الحديث. فالدفن بالليل لا بأس به, وإن كان الدفن بالنهار أفضل, والزجر إنما هو في حق من دُفِن بالليل مع التقصير في حقه. والليل كان إلى وقت قريب عائق عن تحصيل كثير من الأمور. جاء في حديث عقبة بن عامر (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع, وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس, وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب) فهذه الأوقات المضيقة لا يصلى فيها, لا على جنازة ولا على غيرها, ولا يُدفَن فيها الميت, بل يُنتَظر حتى يخرج وقت النهي, ولو أعاد المؤلف هذا الحديث أو أشار إليه هنا لكان أولى, ليذكِّر به.

فائدة: رجح الشيخ ابن باز رحمه الله ضبط (حتى يصلي عليه) بكسر اللام, وذكر أن هذا ضبط ابن حجر, واستدل بحديث عند النسائي (لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به, فإن صلاتي عليه له رحمة). فالضمير في قوله (حتى يصلي عليه) يعود إلى النبي عليه الصلاة والسلام. قال الشيخ عبد الكريم حفظه الله: هذا متجه.

وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: {لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ - حِينَ قُتِلَ- قَالَ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا, فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ"} أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ, إِلَّا النَّسَائِيّ.

هذا الحديث حديث حسن, بل قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قوله (لما جاء نعي جعفر) حينما قُتِل بمؤتة مع صاحبيه, ولما شُغِل أهله بخبر وفاته وذُهِلوا به لم يكن عندهم من الفراغ ما يمكِّنهم من صنع الطعام, ولذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بصنع الطعام لهم, فصنع الطعام لأهل الميت سنة, وهذا أقل أحواله, لكن يُصنَع لهم بقدر الحاجة, وإذا كان أكثر من قدر الحاجة فقد جاء أن الاجتماع وصنع الطعام كان يعد من النياحة. ومعلوم أن الناس قد تعارفوا بينهم – سواء في الضيافات أو في غيرها – أن الطعام لا بد أن يُزَاد فيه ويُحسَب للنوائب حسابها, فلا يحسن بمن أراد أن يصنع لهم طعاماً أن يسألهم عن عددهم لكي يصنع لهم طعاماً بعددهم, بل يقدِّر ويصنع طعاماً يكفيهم ويكفي أقاربهم وضيوفهم, وهذا لا بأس به. ويكره أهل العلم كثرة الكلام في أمور الدنيا والضحك وتبادل النكت والطرائف أثناء حزن بعض الناس, كما أنه يستحب أن يُرَى أن في الدين فسحة في أيام الأعياد والأعراس وما أشبهها, لكن بالتوسط في هذا وفي هذا, ولا بد من مراعاة الآداب الشرعية في البابين. والمنع بالكلية من صنع الطعام مخالف لهذا الحديث, والتوسع الغير مرضي في الظروف العادية أولى بالمنع في هذا الظرف.

وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى اَلمَقَابِرِ: {اَلسَّلَامُ عَلَى أَهْلِ اَلدِّيَارِ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ, وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اَللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ, أَسْأَلُ اَللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ} رَوَاهُ مُسْلِم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير