تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

السلام على الميت جاء بالتعريف, وأما بالنسبة للسلام على الحي فأنت مخير, إن شئت فعرِّف وإن شئت فنكِّر, ولذا يقول أهل العلم: ويخيَّر في تعريفه وتنكيره في سلامٍ على الحي. مفاده أن السلام على الميت يعرَّف ولا ينكَّر, لأن النصوص كلها جاءت بالتعريف, وأما بالنسبة للسلام على الحي فقد جاءت النصوص بهذا وهذا. قوله (السلام على أهل الديار) المقبرة دار مسكونة معمورة بأهلها. والمشيئة في الحديث لا تفيد شكاً في اللحاق بالأموات, وإنما هي للتبرك. ومن فوائد زيارة القبور أن ينتفع الميت بالسلام والدعاء له.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: {مَرَّ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ اَلْمَدِينَةِ, فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: "اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ اَلْقُبُورِ, يَغْفِرُ اَللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ, أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ"} رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ, وَقَالَ: حَسَن.

هذا الحديث فيه ضعف, لكن لعل الترمذي حسنه بشواهده. والميت ينتفع بالدعاء إجماعاً, وينتفع بالصدقة بلا خلاف, وينتفع بالحج والعمرة, فقد جاء في الحديث (حج عن أبيك واعتمر) فهذه أمور تقبل النيابة, والخلاف في مسألة إهداء الثواب للأموات وللأحياء مسألة معروفة عند العلماء, فمهم من يرى الاقتصار على ما ورد من هذه الأمور المذكورة, ويجعل ما عداها على خلاف الأصل, ومنهم من يقول أي قربة فعلها ثم أهدى ثوابها لحي أو ميت وصله, ويدخل في ذلك الصلاة والصيام وقراءة القرآن. قال الشيخ عبد الكريم حفظه الله: الاقتصار على الوارد هو الأصل, فليقتصر عليه وعلى ما في معناه.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم {لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ, فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا} رَوَاهُ اَلْبُخَارِيّ. وَرَوَى اَلتِّرْمِذِيُّ عَنِ اَلمُغِيرَةِ نَحْوَهُ, لَكِنْ قَالَ: {فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ}.

السب يكون بالشتم وإظهار المساوئ وكشف الإسرار. قوله (لا تسبوا الأموات) الأموات جنس, عند بعض أهل العلم يشمل المسلمين والكفار. فلا يُسَب الميت لأنه قد أفضى إلى ما قدم, وسوف يواجه حكماً عدلاً لا يظلمه فيجازيه على حسناته ويعاقبه على سيئاته, فالسب لا نتيجة له ولا فائدة منه, لكن إذا ترتب عليه مصلحة ولم يُقصَد السب وإنما قُصِد النصيحة فلا بأس به, وهذا يظهر جلياً في جرح الرواة, فقولنا (فلان كذاب) يعد سباً له, لكن يترتب على هذا التصحيح والتضعيف, وصيانة الدين مقدمة على حرمات الأشخاص, فكوننا ننهى عن سب الأموات لا يعني أننا لا نحذِّر من هذا الكذاب أو الضعيف أو المبتدع الذي يُخشَى من ضرر بدعته. فالنهي عن سب الأموات مثل النهي عن سب الأحياء, ولا تجوز بحال غيبة الأحياء, إلا إذا ترتب عليها مصلحة أعظم مصلحة منها. والله جل وعلا حكى ما حكى عن الأمم السابقة وذكر كفرهم وجرائمهم وتكذيبهم للأنبياء وقتلهم لهم, وهم أفضوا إلى ما قدموا, لكن ذكر الله ذلك لما يترتب عليه من المصلحة الراجحة, لأنه كما قال عمر وغيره (مضى القوم ولم يُرَد به سوانا) وقال تعالى (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) وجاء ذكر الجنازة التي مرت بهم فأثنوا عليها شراً فلم ينكر النبي عليه الصلاة والسلام عليهم, بل أقرهم على ذلك وقال (وجبت) يعني النار, وجاء في ذكره أنه كان فظاً غليظاً, فإما أن يقال إن هذا كان قبل النهي, أو يقال إن مثل هذا شره ظاهر ولا يستتر به ولا يخفيه, وما كان مما يظهره الإنسان ويخشى من تعديه إلى غيره ويقتدى به فيه يُحذَّر منه. قوله (فتؤذوا الأحياء) يعني هذا الميت الذي ارتكب ما ارتكب مما يبرر سبه يتأذى بهذا السب, كما أن قريبه الحي يتأذى بذلك أيضاً, ولا شك أن الإنسان لا يرضى أن يذكَر قريبه بما يسوؤه فيتأذى بذلك, وأذية المؤمنين أحياء وأمواتاً محرمة, فمثل هذا المؤذي يُمنَع في حق الحي والميت لا سيما المسلم, وأما الكافر فمحل خلاف, ولا أعظم من وصفه بالكفر, لا سيما إذا كان ممن يستريح منه المسلمون. من الأذية للميت القعود على قبره والمشي عليه, وجاء في الحديث الصحيح (لأن يقعد أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر) وجاء في حديث أبي مرثد (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها) فالجلوس على القبور محرم, وجاء عن علي رضي الله عنه أنه كان يضطجع على القبر ويجلس عليه, ومثله جاء عن ابن عمر, ولعل النهي لم يبلغهما, ولذا قال مالك إن القعود على القبر بالنسبة للجلوس العادي لا شيء فيه, وحمل ما جاء من النهي عنه على القعود لقضاء الحاجة, لكنه تأويل مستكره بعيد جداً, لأنه من الامتهان أن يوطأ القبر, وقد نهي عن المشي في النعال بين القبور لا على القبور, فكيف بالقعود؟!! وهذا لا يقدح في الإمام مالك, فهو إمام دار الهجرة ونجم السنن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير