و من ذلك أن يسكت عن إفشاء أسراره و لا إلى أخصّ أصدقائه، و لو بعد القطيعة و الوحشة، فإن ذلك من لؤم الطبع و خبث النفس
قيل لبعض الأدباء: كيف حفظك للسر؟ قال: أنا قبره.
و أفشى بعضهم سرا إلى أخيه ثم قال له حفظت، قال: بل نسيت.
و قالوا: قلوب الأحرار قبور الأسرار
كان أبو سعيد الثوري يقول: إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه ثم دس عليه من يسأله عنك فإن قال خيرا و كتم سرا فاصحبه
3 - أن لا يجادله و لا يماريه:
و من ذلك أن يسكت عن مماراته و جداله:
قال بعض السلف: من لاحى الإخوان و ماراهم، قلّت مروءته، و ذهبي كرامته
و قال عبد الله بن الحسن: إياك و مماراة الرجال، إنك لن تعدم مكر حليم، أو مفاجأة لئيم
و بالجملة فلا باعث على المماراة إلا إظهار التميّز بمزيد العقل و الفضل، واحتقار المردود عليه بإظهار جهله و بالغ بعضهم في ترك المراء و الجدال فقال: إذا قلت لأخيك قم، فقال: إلى أين؟ فلا تصحبه، بل ينبغي أن يقوم و لا يسأل
والمراء يفتن القلب وينبت الضغينة و يجفي القلب و يقسيه ويرقق الورع في المنطق و الفعل
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال:" قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "من ترك المراء و هو مبطل بنى له بيت في ربض الجنة، و من تركه و هو محقّ بنى له في وسطها، و من حسن خلقه بنى له في أعلاها" (رواه أبو داود و غيره)
قال خالد بن يزيد بن معاوية الأموي:"إذا كان الرجل مماريا لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته "
قال الحسن البصري:"إياكم و المراء، فإنه ساعة جهل العالم، و بها يبتغي الشيطان زلّته"
2) النطق بالمحاب:
و كما تقتضي الأخوة السكوت عن المكاره، تقتضي أيضا النطق بالمحاب، بل هو أخص بالأخوة، لأن من قنع بالسكوت صحب أهل القبور
1 - التودد باللسان:
فمن ذلك أن يتودد إليه بلسانه، و يتفقده في الأحوال التي يحب أن يتفقد فيها، و كذا جملة أحواله التي يسر بها ينبغي أن يظهر بلسانه مشاركته له في السرور بها، فمعنى الأخوة المساهمة في السراء و الضراء
2 - إخباره بمحبته:
و من ذلك أن يخبره بمحبته له: عن أنس بن مالك قال: مر رجل بالنبي صلى الله عليه و سلم و عنده ناس، فقال رجل ممن عنده: إني لأحب هذا لله، فقال النبي صلى الله عليه و سلم:"أعلمته؟ " قال: لا، قال: " قم إليه فأعلمه " فقام إليه فأعلمه، فقال: أحبّك الذي أحببتني له ثم قال، ثم رجع فسأله النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره بما قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم:"أنت مع من أحببت، و لك ما احتسبت " (رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي)
و عن المقدام بن معدى كرب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه " (رواه أحمد و غيره)
و إنما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالإخبار، لأن ذلك يوجب زيادة حب، فإن عرف أنك تحبه أحبك بالطبع لا محالة، فإذا عرفت أنه أيضا يحبك زاد حبك لا محالة، فإذا عرفت أنه أيضا يحبك زاد حبك لا محالة، فلا يزال الحب يتزايد من الجانبين و يتضاعف، و التحابب بين المسلمين مطلوب في الشرع محبوب في الدين، قال النبي صلى الله عليه و سلم: " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، و لا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا
فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم " (رواه مسلم، و قال النووي: قوله:" لا تؤمنوا حتى تحابوا " معناه لا يكمل إيمانكم، و لا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب "
3 - دعوته بأحبّ الأسماء إليه:
و من ذلك أن يدعوه بأحبّ أسمائه إليه في غيبته و حضوره، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: أن تسلّم عليه إذا لقيته أولا، و توسّع له في المجلس، و تدعوه بأحب الأسماء إليه
4 - الثناء عليه:
و من ذلك: أن تثني عليه بما تعرف من محاسن أحواله و آكد من ذلك أن تبلغه ثناء من أثنى عليه، مع إظهار الفرح، فإن إخفاء ذلك محض الحسد، و ذلك من غير كذب و لا إفراط، فإن ذلك من أعظم الأسباب في جلب المحبة
5 - الذّبّ عنه في غيبته:
¥