وقال القاضي أبو يعلي - تعليقا على قول الإمام أحمد رحمه الله حين سئل عن شتم الصحابة، فقال: "ما أراه على الإسلام "، قال أبو يعلي: ((فيحتمل أن يحمل قوله: ما أراه على الإسلام،إذا استحل سبهم، فإنه يكفر بلا خلاف، ويحمل إسقاط القتل على من لم يستحل ذلك مع اعتقاده تحريمه، كمن يأتي بالمعاصي. . .)) ثم ذكر بقية الاحتمالات. (الصارم المسلول ص 571 وما قبلها).
يتلخص مما سبق فيمن سب بعضهم سبا يطعن في دينه وعدالته، وكان ممن تواترت النصوص بفضله، انه يكفر - على الراجح - لتكذيبه امرا متواترا.
أما من لم يكفره من العلماء، فاجمعوا على أنه من أهل الكبائر، ويستحق التعزير والتأديب، ولا يجوز للإمام أن يعفو عنه، ويزاد في العقوبة على حسب منزلة الصحابي. ولا يكفر عندهم إلا إذا استحل السب.
أما من زاد على الاستحلال، كأن يتعبد الله عز وجل بالسب والشتم، فكفر مثل هذا مما لا خلاف فيه، ونصوص العلماء السابقة واضحة في مثل ذلك.
وباتضاح هذا النوع بإذن الله، يتضح ما بعده بكل يسر وسهولة، ولذلك اطلنا القول فيه.
الفهرس ( http://arabic.islamicweb.com/shia/belief_sahaba.htm#index)
أما من سب صحابي لم يتواتر النقل بفضله
فقد بينا فيما سبق رجحان تكفير من سب صحابيا تواترت النصوص بفضله من جهة دينه، أما من لم تتوانر النصوص بفضله، فقول جمهور العلماء بعدم كفر من سبه، وذلك لعدم إنكاره معلوما من الدين بالضرورة، إلا أن يسبه من حيث الصحبة.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: ((وإن كان ممن لم يتواتر النقل بفضله وكماله، فالظاهر أن سابه فاسق، إلا أن يسبه من حيث صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر)). (الرد على الرافضة ص19).
الفهرس ( http://arabic.islamicweb.com/shia/belief_sahaba.htm#index)
أما سب بعضهم سبا لا يطعن في دينهم وعدالتهم
فلا شك أن فاعل ذلك يستحق التعزير والتأديب، ولكن من مطالعتي لأقوال العلماء في المراجع المذكورة، لم أر أحدا منهم يكفر فاعل ذلك، ولا فرق عندهم بين كبار الصحابة وصغارهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((واما إن سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل أو الجبن أو قلة العلم أو عدم الزهد ونحو ذلك، فهو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا يحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من العلماء)). (الصارم المسلول ص 586).
وذكر أبو يعلي من الأمثلة على ذلك اتهامهم بقلة المعرفة بالسياسة. (الصارم المسلول ص 571).
ومما يشبه ذلك اتهامهم بضعف الرأي، وضعف الشخصية، والغفلة، وحب الدنيا، ونحو ذلك.
وهذا النوع من الطعن تطفح به كتب التاريخ، وكذلك الدراسات المعاصرة لبعض المنسوبين لأهل السنة، باسم الموضوعية والمنهج العلمي.
وللمستشرقين أثر في غالب الدرسات التي من هذا النوع.
الفهرس ( http://arabic.islamicweb.com/shia/belief_sahaba.htm#index)
وقفة مع المنهج الموضوعي
ولعل من المناسب هنا أن نقف وقفة قصيرة جدا، نبين فيها فساد هذا المنهج، وخطورة تطبيقه على تاريخ الصحابة.
والمنهج الموضوعي، عند الغربيين يعني ان يبحث الموضوع بحثا عقليا مجردا، بعيدا عن التصورات الدينية. (راجع منهج كتابة التاريخ للعلياني ص 138).
فنقول ردا على ذلك:
أولا: المسلم لا يمكن ان يتجرد من عقيدته بأي حال من الأحوال، إلا أن يكون كافرا بها. (راجع في تفصيل ذلك، وفي الرد على دعوى الموضوعية، بحث مخطوط للدكتور رشاد خليل 34 - 37).
ثانيا: كذلك بالنسبة للتاريخ الإسلامي، إذا ثبتت الحوادث في ميزان نقد الرواية، فبأي منهج نفهمها ونفسرها؟ إذا لم نفسرها بالمنهج الإسلامي، فلا بد أن نختار منهجا أخر. فنقع في الانحراف من حيث لا نعلم.
وبناء على ذلك، يجب أن نحذر من تطبيق هذا المنهج على تاريخ الصحابة.
ويجب ان نعلم ايضا أن ما يسمى بالنقد العلمي أو الموضوعية لتاريخ الصحابة، هو السب الوارد في كتب اهل البدع، وفي كتب الاخبار، وتسميته بالمنهج العلمي لا يخرجه من حقيقته التي عرف بها عند أهل السنة، وأيضا تسميته بذلك لا تعلي من قيمته، كما لا يعلي من قيمته أن يردده كتاب مشهورون، وفيهم اولو فضل وصلاح.
¥