قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا يجزي ولد والده، إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه].
قال النووي في " شرح مسلم ": [أَيْ لَا يُكَافِئهُ بِإِحْسَانِهِ وَقَضَاء حَقّه إِلَّا أَنْ يُعْتِقهُ].
إذن لماذا هذا العقوق من بعض الأبناء رغم كل ما يفعله الوالدان لأبنائهم؟
لأن حب الوالد لولده حب فطرة، ليس بملكه، بل الله تبارك وتعالى جعل في غريزته حب الولد، لذلك تجد الوالد مستعدا أن يفديَ ولده بنفسه، ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الحديث الذي أخرجه أحمد و الترمذي وابن ماجة عن عمر – رضي الله عنه – قال عليه الصلاة والسلام: [لا يقاد الوالد بالولد]. وصححه الألباني في " صحيح الجامع ".
يعني إذا قتل الوالد ولده فإنه لا يقتل به، قال المُناوي في " فيض القدير ": [أي لا يُقاد والد بقتل ولده، لأنه السبب في إيجاده فلا يكون هو السبب في إعدامه]. اهـ
، ولأنه مفطور على حب الولد، فهو حينما يقتله، غالبا لا يقتله إلا لسببين اثنين: إما لسبب وجيه جدا، وإما أن هذا الوالد قد اختل عقليا، لذلك لا يُقتل الوالد بالولد.
تجد الوالد إذا مرض ولدُه تجده مستعدا أن يطوف به البلدان في سبيل أن يجد له العلاج، ويبقى يكابد المشاق في سبيل ولده، ويخسر الآلاف لكي يعالجه.
بينما حب الولد لوالده تكلف، وليس بفطرة، لذا تجده يجد مشقة في داخله لإظهار حب والده!، بل إنك تجد بعض الناس حينما يصل أبوه إلى مرحلة معينة من العمر، أو يبلغ أرذل العمر، أو مُرِض أبوه، تجد بعضهم يقول – وبئس ما يقول – والله الموت يريحه!!، وهذا يقول تعبت منه، وبالكاد يسأل عنه.
ولذلك تجد الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز أوصى الولد بوالده في سبعة مواضع أو أكثر:
فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ...... } [البقرة: 83].
وقال الرب سبحانه: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ..... } [النساء: 36].
وقال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ..... } [الأنعام: 151].
وقال عزوجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [الإسراء: 32].
وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8].
وقال عَز مِن قائل: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ *وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ....... } [لقمن: 14،15]
وقال سبحانه: [وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ....... ] [الأحقاف: 15].
بينما لأن حب الوالد لولده – كما أسلفنا – فطري فإن الله تبارك وتعالى أوصى الوالد بولده في موضع واحد في القرآن في سورة النساء، وهو قوله تعالى:
{يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ..... } [النساء: 11].
أيها الكرام، أيها الأبناء:
إن من القواعد المجمع عليها عند أهل العلم: " أن الجزاء من جنس العمل " فمن زرع حصد، إذا أحسنت أُحْسِن إليك،و إذا أعنت أُعِنت، وإذا أعطيت أُعطيت، وإذا ساعدت سوعدت، ودلت النصوص على هذه القاعدة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه]، وقال: [من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته].
وكذلك في هذا المقام، فمن بر والديه، بره أبناؤه، ومن عق والديه، عقه أبناؤه، فإن الجزاء من جنس العمل، إنك إذا أسأت معاملتهم رزقك الله أبناءً يسيئون معاملتك.
واسمعوا لهذه القصة العجيبة التي ذكرها بعض أهل العلم:
ذكروا أن رجلا كان عنده والد كبير، فتأفف من خدمته، فأخذه وخرج إلى الصحراء ليذبحه، فلما وصل إلى صخرة أنزله هناك. فقال: يا بني ماذا تريد أن تفعل بي؟ قال: أريد أن أذبحك، قال بني هل هذا جزاء الإحسان؟ .. قال الابن: لابد من ذبحك فقد أسأمتني .. فقال الأب: يا بني إن أبيت إلا ذبحي فاذبحني عند الصخرة التالية .. فتعجب الولد وقال: ما ضرك أن أذبحك هنا أو هناك؟ قال: يا بني إن كان الجزاء من جنس العمل فاذبحني عند هذه الصخرة فقد ذبحت أبي هناك .. ولك يا بني مثلها ".
روى الحاكم في مستدركه وصححه الألباني في " صحيح الجامع " و " السلسلة الصحيحة " عن أنس – رضي الله عنه – قال النبي صلى الله عليه وسلم:
[بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي و العقوق].
اللهم ألهمنا حب والدينا، واجعلنا من البارين بهم، اللهم إنا نعوذ من عقوق الوالدين، ونسألك اللهم بر والدينا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك المشركين، وارفع راية الموحدين.
اللهم فرج عن إخواننا في فلسطين، اللهم فك الحصار عن إخواننا في غزة، اللهم انصرهم، وارفع رايتهم، اللهم عليك باليهود فإنهم لا يعجزونك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم مكنا منهم، وأظهرنا عليهم، ورد الأقصى السليب إلى حظيرة المسلمين.