تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الصحابة والحجاب]

ـ[لطف الله خوجه]ــــــــ[31 - 01 - 08, 03:40 ص]ـ

[الصحابة والحجاب]

السؤال: هل اختلف الصحابة في حجاب الوجه؟.

الجواب: في هذه المسألة الاحتمالات ثلاثة:

- الأول: أنهم لم يختلفوا على استحبابه.

- الثاني: أنهم لم يختلفوا على وجوبه.

- الثالث: أنهم اختلفوا؛ فمنهم من أوجب، ومنهم من استحب.

وبعيد على الصحابة أن تخرج أقوالهم على هذه الثلاثة، فلا يرد عنهم القول بالإباحة، دع عنك التحريم أو الكراهية؛ فالحجاب أمر مجمع على مشروعيته بالنصوص الآمرة به، وهم أعظم من امتثل.

فلنفحص أي هذه الثلاثة هو الأقرب؟.

فأما عن الاحتمال الأول، فيشكل عليه ما ورد عن ابن عباس في آية الجلباب، وما ورد عن ابن مسعود في آية الزينة:

- فقد قال ابن عباس في قوله تعالى: {يدنين عليهن من جلابيبهن}: "أمر الله نساء المؤمنين، إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن، من فوق رؤوسهن، ويبدين عينا واحدة". فقوله هذا ظاهر في الوجوب.

- وقال ابن مسعود في قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}: "الثياب". ومن المتفق عليه: أن كلامه هذا دال على وجوب تغطية الوجه، وسائر البدن.

فهذان الأثران، واتفاق المسلمين على وجوب حجاب الوجه على أمهات المؤمنين: يدل صراحة على بطلان الاحتمال الأول أن يقال: "إنهم لم يختلفوا على استحبابه"، أو يقال: "إنهم متفقون على استحبابه"، وكلاهما بمعنى، لكن هذا مقام إيجابي، والأول مقام سلبي.

وهذا من باب التنزل مع الخصم؛ إن زعم أنهم اتفقوا على الاستحباب: أورد عليه هذه الآثار. ليس فيه التسليم بأن منهم من كان يرى الاستحباب .. فأما التحقيق فأمر آخر.

بقي الاحتمالان: الثاني، والثالث.

فأما الثاني: "أنهم لم يختلفوا على وجوبه"، فأولى من قد يذهب إليه؛ من يقول بوجوب تغطية الوجه. ولا يلزم؛ إذ قد يقول: قد اختلفوا، كما في غيرها. لكن من قال بالتغطية فقد أصابوا دون غيرهم.

أما من لا يقول بالوجوب، فهو قطعا لا يقبل بفرض: اتفاق الصحابة وعدم اختلافهم على الوجوب؛ لأنه لو قبل لم يسعه أن يخالفهم.

لكن لو تركنا هذا الاحتمال قليلا، ثم التفتنا إلى الاحتمال الثالث: "أنهم اختلفوا بين موجب، ومستحب" فهذا الاحتمال يرد عليه إشكال هو: أنه لم ينقل عنهم جدل في المسألة؛ رد وتعقب، كما هو المشهور عنهم في مسائل ليست بأكبر من مسألتنا هذه. مثل: سماع الأموات، وصيام الجنب، والتمتع بالحج، وإتمام الرباعية بمنى، ونحو ذلك مما اختلفوا فيه، من فروع المسائل، ونقل خلافهم.

فلم نقف على خلاف بينهم في حجاب الوجه، لم نر من نسبوا إلى القول بجواز الكشف كابن عباس، وابن عمر، وعائشة يردون على ابن مسعود، كذلك هو لم يرد عنه رد وتعقب، فعلام يدل هذا؟.

ذلك مما يرجح أنه لم يكن بينهم خلاف في المسألة، فإما أنهم كانوا جميعا على القول بالاستحباب، وهذا مردود بما سبق. أو أنهم على القول بالوجوب، وهذا هو الاحتمال الثاني.

إن عدم نقل خلاف بينهم في هذه المسألة، يدل على اتفاق أمرهم فيها، فإذا ثبت بطلان اتفاقهم على الاستحباب، وكان من المحال اتفاقهم على الإباحة، فضلا عن التحريم أو الكريم، فلم يبق إلا أنهم اتفقوا على الوجوب، فلم يختلفوا على ذلك.

فبالنظر إلى الأحكام التكليفية الخمسة، لا نجد شيئا منها يصلح أن ينسب قولا لهم، لا يكون عليه ملحظ، ولا يرصد فيه إشكال - بحسب ما ورد عنهم – سوى الوجوب.

وهنا لا بد أن يقال: فما تصنعون بالآثار الواردة عن ابن عباس نفسه، وعائشة وابن عمر في تفسير آية الزينة: أنها الوجه والكف؛ أي جواز إبدائهما. أفليس هذا مبطل لهذا المذهب في نسبة القول بالوجوب إليهم، ومشكل عليهم؟.

فيقال: هكذا هو ظاهر الأمر .. لكن عند التحقق تظهر أمور أخرى معتبرة، تشكك في تلك النتيجة، فابن عباس الذي ورد عنه هذا التفسير، قد ورد عنه في الآية نفسها تفسير آخر، يتضمن تقييد ذلك بمن دخل على المرأة بيتها، حيث يقول:

- "والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العين، وخضاب الكف والخاتم. فهذه تظهره في بيتها لمن دخل من الناس عليها". هو أثر صحيح

وبالقطع فإن ابن عباس لا يقصد بالناس هنا: الأجانب. إنما محارمها. وإنما ترجح هذا الاحتمال لأمرين اثنين، هما:

الأول: هل كان يظن بابن عباس أن يفتي للمرأة بأن تتزين للأجنبي، يدخل عليها بيتها، بالكحل، والخضاب، والخاتم؟.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير