وقد جاءنا من أرضه الشيخ مربد ..... فحقق من أحواله كل ما يبدي
وقد جاءني من تأليفه برسائل ..... يكفر أهل الأرض على عمد
وعلى كل حال فموضوع قصيدة الصنعاني ونسبتها أو عدم نسبتها إليه موضوع معروف , والكلام حوله ليس بجديد , وكذا الكلام حول رجوعه عن تأييد دعوة الشيخ محمد بسبب هذه القصيدة سبق الكلام عليه من بعض أهل العلم , إلا أنني بعد نقاش مع بعض الأخوة حول نسبة القصيدة أحببت أن اطرح للقارئ هذا الموضوع بصورة مجملة , وإن كانت القصيدة – إن صحت نسبتها إليه - لا تصلح لان تكون دليلا لتشويه دعوة الشيخ محمد بل هي إلى أن تشوه صورة قائلها اقرب إلى ذلك.
ولعل من أهم ما يبين ذلك أمور:
أولها – أن الصنعاني رحمه الله نفسه ذكر في تطهير الاعتقاد استشهاده بالقصيدة التي أثنى بها على الدعوة النجدية , وقد اطلعت على بعض طبعات تطهير الاعتقاد فوجدت المحقق محمد الصغير بن قائد العبدلي المقطري ذكر انه وجد نسخة من التطهير كتبت قبل وفاة الشيخ الصنعاني رحمه الله بسنة , فلو كان الصنعاني رجع عن رأيه لم يكن للناسخ أو لتلميذ الصنعاني أن يبقي استشهاد الصنعاني على ثناءه على دعوة الشيخ , خاصة أن الوشايات والتقويلات في ذلك الوقت على الشيخ ودعوته كانت سريعة في الانتشار , بخلاف الحقائق والتي لا تتبين غالبا إلا بعد فترات طوال.!
مع العلم أن الواشي بالشيخ محمد عند صاحب القصيدة هو مربد الحريملي النجدي , وقد نقل الشثري في تحقيقه لعنوان المجد ما جاء في (السيف الهندي في ابانة طريقة الشيخ النجدي) أن مربد الحريملي فر إلى اليمن في سنة مائة وسبعين.اهـ والصنعاني توفي سنة اثنين وثمانين ومائة , وذلك أن ما بين قدوم مربد ووفاة الصنعاني أثنتى عشرة سنة , وقد ابقي رأي الصنعاني في تطهير الاعتقاد ولم يغير طوال هذه السنوات.
ومما يزيد في هذا الأمر أن حفيد الصنعاني شارح النظم كذب في تاريخ وصول مربد إلى اليمن , وذلك أن من نقل عنه الشثري قدوم مربد ذكر ما نصه: في ذي القعدة سنة سبعين ومئة وصل إلينا العلامة الفاضل مربد بن احمد .. اهـ
بينما شارح النظم حفيد الصنعاني ذكر أن مربدا قدم إليهم بعد سماعه القصيدة في نجد سنة ست وسبعين ومائة , مما يدل على أن هناك تلبيس وإبهام من هذا الحفيد.
ثم يقال أيضا: أين تلامذة الصنعاني الثقات من هذه القصيدة , حتى يأتي شخص بعده بفترة مع انقطاع في السند لينسب إليه هذه القصيدة , وقد خفي عليه إبقاء الصنعاني لثنائه على الشيخ محمد في نفس التطهير.؟!
ثانيها – أن تطهير الاعتقاد فيها ما يدل على أن موقف الصنعاني في تكفير المشركين اشد من موقف الشيخ محمد كما ذكرنا , وكونه جعلهم كفارا أصليين وليسوا مرتدين , وهو المنفي في القصيدة المنسوبة إليه , وقد تكلم عبداللطيف بن عبدالرحمن في مصباح الظلام عن هذه المسألة عند قول عثمان بن منصور أن الشيخ محمدا (جعل بلاد المسلمين كفارا أصليين) فذكر عبداللطيف انه لا يعرف قائلا بذلك غير الصنعاني , وهذا فيما يظهر رأي اخف من رأي الشيخ محمد , وكان الأولى أن يرد المشركون على الصنعاني الذي جعلهم كفارا أصليين قبل أن يردوا على الشيخ محمد الذي أوقف ردتهم على إقامة الحجة. وان يرد مربد الحريملي على الصنعاني قبل أن يشي بالشيخ محمد.
ثالثها – أن القصيدة المنسوبة للصنعاني لم يذكر ما فيها من انتقاد على دعوة الشيخ محمد سوى التكفير والقتال , والجواب عليها من وجهين:
الأول: أن دعوة الشيخ محمد في توضيح التوحيد لم تتوقف على التكفير والقتال , وكتاب التوحيد وحده كاف في توضيح ذلك.
الثاني: أن هذين الأمرين (التكفير والقتال) متعلقان بالفاعل وليس بالفعل , ومتعلقهما إقامة الحجة , وهو مناطٌ - الاختلاف في تعيينه من شخص لآخر سائغ , كما في مسألة من لم يكفر المشرك أو شك في كفره , ومع كون هذه المسألة من المتفق عليها إلا أن معرفة إقامة الحجة في هذا المشرك يختلف في العلم بها من شخص لآخر , بمعنى انه إذا أشرك أو كفر شخص معين فلنا إن نختلف في مسألة إقامة الحجة عليه , هل بلغته أو لم تبلغه , وهي المسألة التي تحدد تكفيره أو عدمه , فقد يكون عندك مشرك وقد يكون عندي غير ذلك لان المختلف فيه إقامة الحجة - هل تبين لي بلوغها لهذا المعين أم لم يتبين , لا الشرك نفسه , كما في اختلاف أبي بكر وعمر في المرتدين أول الأمر , وهو ما في موضوعنا هنا , فالصنعاني - إن صحت النسبة - ذكر ما يسوغ الاختلاف فيه وهو المعين بالشرك أو الكفر وكذا القتال , لا مالا يسوغ الاختلاف فيه وهو الشرك نفسه.
ومما يؤيد هذا أن مربد الحريملي الذي ذُكر في القصيدة وهو صاحب الوشاية , فر من نجد إلى اليمن لنفس هذا القول , وهو التفريق بين الفعل والفاعل في المشرك لا في الشرك الأكبر , كما ذكر صاحب السيف الهندي سابق الذكر , مما يدل على أن هناك اتفاقا بين الواشي وكاتب القصيدة , وهو القول المخالف لما يعرف عن الصنعاني في تطهير الاعتقاد.
والله تعالى اعلم
¥