تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنه رغم الدمار البالغ الذي تصاب به المجتمعات حيناً بعد حين، والوكزات التي تتلقاها أمة الإسلام فجأةً، ثم هي تصرع أمامها إثر تقويض الرابطة الإسلامية الجامعة الحقة، وعلى الرغم من المكانة الملحوظة التي وفّرها الإسلام للمجتمعات الإسلامية بأسرها، من خلال تعاليمه المحكمة، وثوابته التي لا تتغير، بل يخضع لها كل عصر، وليست تخضع هي لكل عصر، إنه رغم ذلك كله إلا أن ثمة خللاً ما، يؤكد أن تلك المجتمعات أحوج ما تكون إلى أن تلتمس لطف الله وعفوه، وترتقب رحمته وإحسانه، وتلزبَ اللجوء إليه والعياذ به، عاملةً بما دعا به المصطفى: (تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]. فلا إله إلا الله، (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83].

إنه ينبغي علينا ـ معاشر المسلمين ـ أن ندعو إلى دين الله جل وعلا، الذي هو مصدر عزتنا، وسر قوتنا، من خلال التحدث عنه على حقيقته وصورته التي ارتضاها الله جل شأنه، دون استحياء ولا تخوف ولا استجداء، مُتْبعين ذلك على أنه دين العبودية لله وحده في كل شيء، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم، وحذار حذار من أن يخطئ أحد حال التحدث عنه فيعدل عن الوجه الصحيح.

ثم إن الدعوة إلى الإسلام برمتها أشبه ما تكون بالقضية العادلة، غير أنها ـ وللأسف الشديد ـ قد تقع بين أيدي محامين عنها يفشلون في عرض حقيقة الدفوع، وإيضاح البينات، وما ذلك إلا من خلال التنازل عن ثوابتها وأسسها، بحثاً لعرض أو خوفاً من عرض. ولا غرو في ذلك ـ عباد الله ـ فلربما نسمع كثيراً لمتحدثين عن الإسلام يحامون عنه، ويودّ المرء منا لو أنهم سكتوا فلم ينبسوا بحرف واحد. إن أمثال هؤلاء ـ ولا ريب ـ لم يفهموا الإسلام بكماله كما تنزل من عند الله، والنزر اليسير ممن يتحدث عنه، ويدَّعي فهمه قد لا يحسنون الإبانة عنه من خلال الخلط والمزج بين ما يصحّ وما لا يصحّ. ومن هنا يعظم الخطر؛ لأننا في أزمنة خداعة، تحتاج إلى المهرة من ذوي الأفهام، عبر عصور يتزين فيها القبيح من المبادئ، فتعرض نفسها على الناس في تزاويق خادعة كما تتوارى الشمطاء وراء حجب من الأصباغ والحلي.

إن الإسلام في حدِّ ذاته كالدواء، لا يحتمل أن يجتهد فيه كل محتسٍ له، كما أن الدواء لا يكون دواء لأن مادته تحوي أسباب الشفاء فحسب، كلا، بل لا بد من تناوله بطريقته التي يشير بها الطبيب على الوجه الذي وُضع له الدواء، ومن تكلّف طريقة من عنده لم يقل بها الطبيب، فلا يلومن [أحداً] حينئذ إذا استفحل الداء، ولات ساعة استشفاء، وهيهات هيهات أن تصلح المجتمعات، وقد وهت فيها حبال مقوماته الشرعية الحقة، وأسس الحياة المحكومة بصبغة الله وشرعته دون اكتراث بما يرضي الله وما يسخطه، فكيف إذا كانت الحال إذاً في التشكيك في تلك المقومات، أو السعي الدؤوب في إماتتها، أو بث ما من شأنه اتهام المسلمين، أو بذر الفرقة بينهم، أو التطلع إلى إرساء قواعد التراجع عن الدين، أو على أقل تقدير إشعار الغير بأن من يتجرع الإسلام بآدابه وكماله فإنه لا يكاد يسغيها إلا متهوّعاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها المسلمون، من خصائص رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه ما من خير إلا ودلَّ الأمة عليه، وما من شر إلا وحذَّر الأمة منه، وقد كان مما حذر الأمة منه الفتن التي تكون في آخر الزمان وتكاثرها، والغواسق التي تحيط بالأمة من كل جانب، فتموج بهم كموج البحر، حتى إنها لتدع الحليم حيران، بل ولربما تستمرئها النفوس الضعيفة، وتستشرف لها رويداً رويدا إلى أن تلغ في حمئها وهي لا تشعر، فإذا ألفتها لم تكد تتحول عنها إلا في صعوبة بالغة بعد أن تفقد خصائصها، ومن ثم تموع وتذوب، تُمَّة ما لجرح بميت إيلام، وإذا لم يغبِّر حائط في وقوعه فليس له بعد الوقوع غُبار، حتى تقع النفس في أتُّون الفتن فتحترق بلا لهب. ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير