[العسل في القرآن والسنة]
ـ[وهج البراهين]ــــــــ[19 - 01 - 03, 02:13 ص]ـ
[العسل في القرآن والسنة]
د. محمود أبو الهدى الحسيني
ما يكاد ذلك الشراب المُشتهى يذكر في الكتاب الكريم إلا وتطير الأرواح إلى عالمِ جمال جِنانيٍ ترسمه عبارات قرآنية بليغة في صورة تزدهي بألوانها البديعة وتتراقص بأنغامها الجميلة لتشهد فيها
العسل في المشتهيات الجنانية الغيبية
في معنى قوله تعالى:
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ (15) محمد
وما تكاد تنزل تلك الأرواح مع التنزلات القرآنية إلى أرضها حتى تجد الكتاب العزيز يرسم لها صورة أخرى، لكنها في هذه المرة صورة أرضية
وفي الأرض تجد تجلياتِ العظمة الإلهية في صنعتها، وآثار العناية الربانية في حكمتها
إنك تجد في الصورة الجنانية نهراً من عسل مصفى أوجده الخالق العظيم بكلمة: (كن) (فكان) بقدرته، لكنك ترى في الصورة الأرضية عبارات تلامس مفردات العادة الكونية، وتتحدث عن قوانين الكون السببية التي تعبر عن نظام الله تعالى المتقن في مملكته، وتحلق بك إلى عالم روائي من بدايته إلى نهايته في كلمات موجزة جامعة مانعة
ترى فيها العسل في المشتهيات المحسوسة الحاضرة:
وهو معنى قوله تعالى:
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) النحل
وقالوا في معناها قولاً لكنه – كما هي كل عبارات التفسير - لا يغادر كونه طوافاً حول كعبة حسنها، ودلاء اختلست غَرفةً من محيطات دلالاتها:
أولاً - النحل صانعة العسل:
1 - أسماؤها:
ما سمي النحل باسمه إلا لأن الله عز وجل نحَلَهُ العسل الذي يخرج منه
كما أنه يسمى: (الدّبْرَ) و (اليعسوبَ) أيضاً، وتقع تلك الأسماء على كلٍّ من الذكر والأنثى، إلا أن الله عز وجل أَنّثها فقال: أَنِ اتَّخِذِي من الجِبال بيوتاً
2 - الوحي الإلهي إليها:
وحيه تعالى إلى النحل إلهامها وخلق إدراكها لمنافعها ولاجتناب مضارها وتدبيرِ معاشها.
وكان مضمون ذلك الوحي الإلهي للنحل
أ - يتضمن شرحاً وبيانا يتعلق ببيوتها:
وهو معنى قوله تعالى:
أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ:
فدلها تعالى على موطنين أبدعهما سبحانه ولم يكن فيهما للإنسان يد صناعة ولا سلطان تملُّك، هما: كُوى الجبال، وتجاويف الأشجار.
وعلى موطن يعرِشه الإنسان ويصنعه لها من الأخشاب والأغصان والظلال، لتصنع في هذه المواطن بيوتها المسدسة المتقنة العجيبة.
ب – يتضمن الوحي الإلهي إلى النحل بياناً متعلقاً بطعامها:
وهو معنى قوله تعالى:
ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ:
إنه الإذن الإلهي التسخيري أن تأكل من كل الثمرات، وأن تقف على كل الأزهار
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل النحل لكل الثمرات في مثال ضربه ليكون محل نظر واعتبار، فقال:
"مثل بلال كمثل النحلة، غدت تأكل من الحلو والمر، ثم هو حلو كله".
ويتكرر التمثيل للمؤمن بالنحلة في روايات عديدة من السنة المطهرة، كقوله صلى الله عليه وسلم:
مثل المؤمن مثل النحلة: لا تأكل إلا طيبا، ولا تضع إلا طيبا (وإن وقعت على عود نخِرٍ لم تكسره).
وقالوا: من وجوه المشابهة بين المؤمن والنحلة:
الفطنةُ وقلة المؤونة وكثرة النفع، وقلَّة الأَذى، والقَناعة، والنشاط في الليل، والتنزُّه عن الأَقذار، وطيبُ المطعم، والأكل من كسب نفسه، وطاعتُه لأَمِيره.
ج – يتضمن الوحي الإلهي إلى النحل بياناً متعلقاً بالطرق التي تسلكها:
وهو معنى قوله تعالى:
فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا:
¥