[بيان سبب عدم احتجاج الإمامين البخاري ومسلم في صحيحهما لبعض كبار أئمة الحديث]
ـ[أبو حميد الفلاسي]ــــــــ[19 - 01 - 03, 01:04 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فهذه فائدة هامة أذكرها لإخواني الكرام – بارك الله فيهم -، وهي حول عدم احتجاج الإمامين البخاري ومسلم – رحمهما الله تعالى – في صحيحيهما لبعض كبار الأئمة المشهود لهم بالإمامة، والصدق، والعدالة، حيث أبلغني بعض طلبة العلم قول أحد أفاضل عصرنا من المحققين والمشهود لهم بالعلم والفضل أن الإمامين البخاري ومسلم لم يحتجا في صحيحهما بالإمام الشافعي – رضي الله عنه – من أجل روايته عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، المتروك حديثه، ومن أجل ذلك أعرضا عن الرواية عنه.
وأنا حقيقة قد انزعجت من هذا القول، حيث أن الإمام الشافعي – رضي الله عنه – ممن كتب الله لهم القبول في الأرض، وخاصة عند أئمة الحديث، ولاسيما عند الإمام أحمد بن حنبل – رضي الله عنه – الذي كان يكثر الثناء والمدح على الإمام الشافعي، وما كان للإمامين البخاري ومسلم أن يخالفا رأي شيخهما الإمام أحمد في الشافعي، ولاسيما الإمام البخاري الذي تأصل في علم الحديث وعلله على الإمام أحمد- رحمة الله عليهم أجمعين-.
فأن قيل: فما هي علة عدم احتجاج الإمامين البخاري ومسلم بالإمام الشافعي؟
قلت: هذه المسألة بعينها قد تكلم عليها الحافظ الخطيب البغدادي- رحمه الله تعالى -، وروى كلامه بتمامه الإمام الذهبي في السير (10/ 95 - 96) حيث قال – رحمه الله -:
((قال الحافظ أبو بكر الخطيب في مسألة الاحتجاج بالإمام الشافعي، فيما قرأت على أبي الفضل بن عساكر، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا يوسف بن أيوب الزاهد، أخبرنا الخطيب قال: سألني بعض إخواننا بيان علة ترك البخاري الرواية عن الشافعي في الجامع؟ وذكر أن بعض من يذهب إلى رأى أبي حنيفة ضعف أحاديث الشافعي، واعترض بإعراض البخاري عن روايته، ولولا ما أخذ الله على العلماء فيما يعلمونه ليبيننه للناس؛ لكان أولى الأشياء الإعراض عن اعتراض الجهال، وتركهم يعمهون، وذكر لي من يشار إليه خلو كتاب مسلم وغيره من حديث الشافعي، فأجبته بما فتح الله لي، ومثل الشافعي من حُسِد، وإلى ستر معالمه قصد، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر من كل حق مستوره، وكيف لا يغبط من حاز الكمال، بما جمع الله له من الخلال اللواتي لا ينكرها إلا ظاهر الجهل، أو ذاهب العقل ... ثم أخذ الخطيب يعدد علوم الإمام ومناقبه، وتعظيم الأئمه له، وقال:
أبى الله إلا رفعه وعلوه = وليس لما يعليه ذو العرش واضع
إلى أن قال: والبخاري هذب ما في جامعه، غير أنه عدل عن كثير من الأصول إيثارا للإيجاز، قال إبراهيم بن معقل: سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول.
فترك البخاري الاحتجاج بالشافعي، إنما هو لا لمعنى يوجب ضعفه، لكن غني عنه بما هو أعلى منه، إذ أقدم شيوخ الشافعي مالك، والدراوردي، وداود العطار، وابن عيينة. والبخاري لم يدرك الشافعين بل لقي من هو أسن منه، كعبيد الله بن موسى، وأبي عاصم ممن رووا عن التابعين، وحدثه عن شيوخ الشافعي عدة، فلم ير أن يروي عن رجل، عن الشافعي، عن مالك.
فإن قيل: فقد روى عن المسندي، عن معاوية بن عمرو، عن الفزاري، عن مالك، فلا شك أن البخاري سمع هذا الخبر من أصحاب مالك، وهو في الموطأ فهذا ينقض عليك؟!
قلنا إنه لم يرو حديثا نازلا وهو عنده عالٍ، إلا لمعنى ما يجده في العالي، فأما أن يورد النازل، وهو عنده عالٍ، لا لمعنى يختص به، ولا على وجه المتابعة لبعض ما اختلف فيه؛ فهذا غير موجود في الكتاب.
وحديث الفزاري فيه بيان الخبر، وهو معدوم في غيره، وجوَّدَه الفزاري بتصريح السماع. ثم سرد الخطيب ذلك من طرق عدة، قال: والبخاري يتبع الألفاظ بالخبر في بعض الأحاديث ويراعيها، وإنا اعتبرنا روايات الشافعي التي ضمنها كتبه، فلم نجد فيها حديثا واحدا على شرط البخاري أغرب به، ولا تفرد بمعنىً فيه يشبه ما بيناه، ومثل ذلك القول في ترك مسلم إياه، لإدراكه ما أدرك البخاري من ذلك، وأما أبو داود فأخرج في سننه للشافعي غير حديث، وأخرج له الترمذي، وابن خزيمة، وابن أبي حاتم)).
¥