الأول: المعارضة لمعرفة أحوال راو روى عنه الناقد ومارس أحاديثه.
الثاني: المعارضة لمعرفة أحوال راو لم يلتق به الناقد.
النوع الأول: معارضة الأحاديث لمعرفة أحوال راو التقى به الناقد ومارس أحاديثه.
وهي من أوثق طرق المعارضة وأعلاها مرتبة، والأحكام الصادرة عنها تكون أقرب إلى الصواب من غيرها.
وسبب ذلك أن التلميذ يكون أعرف بأحاديث شيخه من غيره، وخاصة عند أهل الحديث حيث تطول مجالسة التلميذ للشيخ حتى تبلغ سنين عددا.
ومن ثم قدمت روايات بعض التلاميذ لأنهم أثبت في شيوخهم من غيرهم وما ذلك إلا لطول الصحبة أو كثرة الممارسة.
ولهذا الملحظ يقدم النقاد أحكام النقد التي يدلي بها التلاميذ في شيوخهم على أحكام غيرهم، لأن التلميذ أخبر شيخه، وكذلك تقدم أحكام النقاد في الرواة الذين يشتركون معهم في الرواية عن شيخ لأن القرين أعلم بقرينة، وكذلك أيضا تقدم أحكام النقاد في الرواة الذي يقطنون معهم في نفس البلد لأن المحدث يكون أعرف بحدث بلده من حديث البلاد الأخرى في الغالب.
وسبيل هذا النوع من المعارضة أن يعند الناقد إلى مرويات ذلك الراوي ويدرس أسانيدها ومتونها منفردة، فإذا وجدها مستقيمة مع ذاتها انتقل إلى الخطوة التي تليها، وإن وجده مضطربة في نفسها كأن يروي الحديث مرسلا ثم يرفعه في رواية أخرى أو يحدث مرة بمتن إسناد ثم يروي ذات هذا المتن بذات الإسناد لكن مع اختلاف في الألفاظ، فتكرر مثل هذا يسقط الراوي من درجة الحفظ المشترطة، ولا يتجشم الناقد عناء معارضة أحاديثه مع غيره فهو ضعيف في نفسه بصورة ظهرت بمجرد دراسته مروياته.
وينتقل إلى الخطوة التي تليها إذا وجد الناقد أحاديث الراوي مستقيمة مع نفسها أي ليس فيها اضطراب أو تناقض، فيعد إلى روايات أقرانه ممن اشتركوا معه في الرواية عن شيوخه، وينتقي أشهر شيوخ شيخه ممن أكثر من الرواية عنهم فيبدأ بتتبع روايات تلاميذهم ممن شاركوا شيخه في الرواية عنهم، وقد يتيسر للناقد الرواية عنهم جميعا وقد يتيسر له الرواية عن بعضهم ويحصل باقي الروايات من الكتب أو بالواسطة لكنه يجب أن يسعى في البحث عن أشهر تلاميذ شيوخ شيخه أي أشهر أقران شيخه ويبدأ في دراسة أسانيدهم ومتونهم، وفائدة ذلك هو تقويم مرويات أقران شيخه في ذواتها بحيث لا تكون مضطربة أو متناقضة وإلا فإنه لن يستطيع المعارضة معها، وبعد أن تصفو له أحاديث شيخه مع أقرانه يبدأ في معارضتها.
وطريقة المعارضة تكون بين الأسانيد والأسانيد، والمتون مع المتون، وتلمس أوجه الاختلاف بينها.
وفي غالب الأحايين يقل الاختلاف بين مجموعة من الأقران وتتشابه مروياتهم، فيعلم أن اجتماع هؤلاء على تلك الروايات دليل على ضبط وحفظ، فإذا ما ظهر اختلا لشيخه مع أقرانه لم يتسرع في الحكم عليه، بل يوالي المعارضة والموازنة للمزيد من الأحاديث والمتون، فإذا كثر الخلاف من شيخه لأقرانه دل ذلك علىضعفه في ذلك الشيخ، ثم يوالي هذه الطريقة مع بقية شيوخ شيخه، فإذا كانت الحال سواء دل ذلك على ضعف شيخه مطلقا بمعنى اطراد سوء حفظه في كل مروياته، إذ من المحال أن تتعدد الأخطاء والاختلافات مع كل من يروي عنهم إلا إذا كان صاحب هذه الأخطاء ضعيفا في ضبطه غير متقن لما يرويه.
وقد يظهر بالمعارضة أن شيخه ضعيف في شيخ واحد من شيوخه ورواياته عن بقية شيوخه مستقيمة، ولذلك أسباب منها أن يكون ذلك الشيخ الذي ضعف فيه بعيدةً بلادُه، فمكابدة الأسفار أضعفت عنده ملكة الحفظ عند التحمل، أو أن كتب ذلك الشيخ ضاعت دون بقية كتب رواياته عن الآخرين.
وعندئذ يوثق الراوي مع استثناء ذلك الشيخ الذي لم يضبط رواياته، فإذا استقامت روايته عن كل شيوخه دل ذلك على إتقانه وضبطه فيوثق مطلقا.
وقد يظهر للناقد بالتتبع والمعارضة والسبر أن مرويات شيخه تكون منضبطة حين يروي شيخه من الكتاب، أو حين يروي في بلد إقامته، فإذا روي من حفظه أو روى حال سفره خلط وأتى بالغرائب، فيقيد توثيقه حينئذ بغير حالة التحديث من الحفظ وحال السفر.
وقد تختلف أنظار النقاد في مثل هذه المواطن من المعارضة على حسب سعة اطلاع كل واحد منهم وعلى قدر مدارسته للمرويات.
¥