تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و ثانيها: أن في مقابل هذه الآثار على فرْض صحتها حديث تخيير النبي صلى الله عليه و سلم أزواجه الطاهرات رضوان الله عليهن ففي الصحيح عن الزُّهْرِيّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن أَنَّ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ جَاءَهَا حِين أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُخَيِّر أَزْوَاجه، قَالَتْ: فَبَدَأَ بِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَ: (إِنِّي ذَاكِرٌ لَك أَمْرًا فَلا عَلَيْك أَنْ لا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك).

قلت: و هذا نصٌ في التفويض حتى بعد انقضاء المجلس لأن استشارة أبوي الصديقة لن تكون على الفور.

و خلاصة ما يظهر لي: أن التفويض صحيح، و تترتب عليه نتيجته شرعاً؛ و هي إيقاع الطلاق من المرأة ابتداءً، أو باختيارها، و لكن يشترط لصحة التفويض ما يشترط في عقود التمليك كالبيع و الشراء و الهبة و ما إلى ذلك، من اقتران الإيجاب بالقبول في المجلس الواحد، و يترتب على هذا أن الرجل إذا فوض زوجته بتطليق نفسها، فلم تقبل التفويض حتى انفض المجلس أو قبلته بعد وقت طويلٍ – عُرفاً – فإن التفويض لا يقع، و عليه فلو طلقت نفسها باعتبارها مفوضةً بذلك لم يقع تطليقها؛ لفساد التفويض، أما إذا قبلت التفويض في المجلس و كان غير مقيد بزمن، ثمّ اختارت الطلاق فيما بعد فلها ما اختارت.

و ما ذهبت إليه في هذه المسألة هو اختيار جماعة من أهل العلم رحمهم الله.

قال الإمام القرطبي في تفسير آية الأحزاب: (اختلفت الرواية عن مالك متى يكون لها الخيار، فقال مرة: لها الخيار ما دامت في المجلس قبل القيام أو الاشتغال بما يدل على الإعراض. فإن لم تختر و لم تقض شيئا حتى افترقا من مجلسهما بطل ما كان من ذلك إليها، و على هذا أكثر الفقهاء. و قال مرة: لها الخيار أبداً ما لم يعلم أنها تركت، و ذلك يُعلم بأن تمكنه من نفسها بوطء أو مباشرة، فعلى هذا إن منعت نفسها و لم تختر شيئا كان له رفعها إلى الحاكم لتوقع أو تسقط، فإن أبت أسقط الحاكم تمليكها.

... و وجه الرواية الثانية أن ذلك قد صار في يدها ملكته على زوجها بتمليكه إياها فلما ملكت ذلك وجب أن يبقى في يدها كبقائه في يد زوجها.

قلت: وهذا هو الصحيح لقوله عليه السلام لعائشة: (إني ذاكر لك أمراً فلا عليك ألا تستعجلي حتى تستأمري أبويك) ... و هو حجة لمن قال: إنه إذا خير الرجل امرأته أو ملكها أن لها أن تقضي في ذلك و إن افترقا من مجلسهما، روي هذا عن الحسن و الزهري، و قال به مالك في إحدى روايتيه. قال أبو عبيد: و الذي عندنا في هذا الباب، اتباع السنة في عائشة في هذا الحديث، حين جعل لها التخيير إلى أن تستأمر أبويها، و لم يجعل قيامها من مجلسها خروجاً من الأمر. قال المروزي. هذا أصح الأقاويل عندي، و قاله ابن المنذر و الطحاوي.اهـ.

هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل، و بالله التوفيق.

وكتب

د. أحمد بن عبد الكريم نجيب

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير