الثاني: دم الفدية، الذي يجب على الحاج إ ذا حلق شعره لمرض أو شيءٍ مؤْذٍ.
الثالث: دمُ الجزاءِ، وهو الدم الذي يجب على المحرم إذا قتل صيداً برِّياً، أما صيد البحر فلا شيءَ منه عليه.
الرابع: دمُ الإحصار، ويكون بسبب انحباسه عن إتمام المناسك لمرض أو عَدُوًّ أو غير ذلك، ولا يكون قد اشترط عند إحرامه، أي لم يقل عند تلبية الحج: اللهم مَحِليِّ حيث حبستني.
الخامس: دمُ الوطءِ، وهو دم يُفرض على الحاج إذا وطىءَ أثناء حجه، فإن كان قد وطىءَ قبل رمي جمرة العقبة صبيحة يوم النحر فعليه بدنة، مع بطلان حجهِّ، وإن كان وطىءَ بعد الرمي وقبل طواف الإفاضة فعليه شاة.
ومثل الرجل في هذا المرأة سواءً بسواءٍ، غير أنها إذا كانت مكرهةً في وطئِها فلا هدي عليها، وأيضاً فإن حجَّها صحيح بخلاف زوجها الواطىءِ، إن كان قد وطىءِ قبل رمي جمرة العقبة.
ولا يجب على الحاج دمٌ غير هذه الدماءِ، إذ ليس على ذلك دليل يصلح للاعتماد عليه، وقد اعتمد الفقهاءُ قديماً وحديثاً في كثرة الدماءِ التي يوجبونها في مخالفات الحج، على أثر ابن عباس رضي الله عنهما المشهور وهو: " من نسي من نُسُكِهِ شيئاً أو تركه فليُهْرِقْ دماً ".
وهذا الأثر فضلاً عن كونه مُصادماً لصريح السُّنة كما سنبين، فهو قد تفرد به ابن عباس رضي الله عنهما، فيُصْبح رأياً ارتآه ابن عباس وحده، مصادماً لصريح السُّنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلكم: " أن رجلاً جاءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متضمِّخٌ بطيب، فقال: يا رسول
الله، كيف ترى في رجل أحرم في جُبَّةٍ بعدما تضَمَّخَ بطيب؟. فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعةً، فجاءه الوحي، ثم سُرِّيَ عنه فقال: أين الذي سأَلني عن العمرة آنفاً، فالْتُمِسَ الرجلُ فجيءَ به فقال: أَمَّا الطِّيبُ الذي بك فاغسله ثلاث مرات،
وأما الجُبَّة فانزِعها، ثم اصنع في العمرة كلَّ ما تصنع في حجَّك"
فهذا الحديث، يدلّ دلالةً صريحةً، على أن من أتى مخالفةً أو محظوراً من محظورات الإحرام، فليس عليه إلا يدعه فقط، لأن الرسول عليه السلام لم يأمر الرجل لابس الجبَّة المتضمخ بطيب النِّساء ـ وهو الخلوق كما جاء في روايةٍ أخرى ـ إلا أن ينزع الجبة ويغسل الطيب، ولم يأمره بذبح هدي الجزاء، ولو كان واجباً لأمره به، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، والحاجة قائمة هنا، والوحي قد نزل بالحكم الفصل.
والصحابي مهما بلغ من منزلة وعلم، فأثره لا يُقدم على سنة صحيحة صريحة من سنن الرسول صلوات الله عليه.
إذاً فمن الحق أن يقال: إن ابن عباس ـ رضي الله عنه، على جلالة قدره في العلم ـ اجتهدا رأيه، فلربما لم يبلغه هذا الحديث الصحيح، واختلاف الصحابة مشهور لا يخفى، وهو مبنيٌّ على هذا الأصل، ألا وهو: خفاء السنن وعلى تفاوتهم في العلم.
ولا يقال هنا: إن الصحابة لم ينكروا عليه، فعدم معرفتنا بذلك لا يعني أن الصحابة لم ينكروا غاية ما يقال: إنه لم يصلنا
ولا ننسى أن كثرة الدماء لم تؤد إلى التساهُل في المناسك فحسب، بل إلى الاستهانة بأداء مناسك الحج، وإتمامها على مثل ما بين الرسول عليه السلام، وهذا أخطر ما في التدميم "
قال مبارك: وما رجحه شيخنا محمد إبراهيم شقرة هو مذهب أهل الظاهر ومال إليه الإمام الشوكاني، والعلامة صديق حسان خان القنوجي وبه يقول شيخنا الإمام محمد ناصر الدين الألباني،
واختاره أيضا مراد شكري في كتابه النفيس" المنخّلة النونية في
فقه الكتاب والسنة النبوية " (102) فقد قال في آخر بحثه حول
هذه المسألة: ولذلك كان الأرجح ما ذهب إليه الظاهرية من أنه لا دم إلا ما ورد في النص، ومن تأمل الخلاف الحاصل حول الدماء بين من قال به؛ قطع يقينه بخلاف ما ذهبوا إليه، (ولو كان من عند غير الله لَوَجَدوا فيه اختلافاً كثيراً).
ـ[ابن المنذر]ــــــــ[07 - 02 - 03, 02:34 ص]ـ
أخي (أسد السنة) حفظه الله:
1) * تقدَّم أنَّ ما ذكرته لك آنفاً هو مذهب عامة أهل العلم. ولو حكي إجماعاً للفقهاء كافة - غير ابن حزم المتوفى في القرن الخامس!! - لكان ذلك ليس بعيداً.
2) * فهم العلماء المتقدمين [إذا لم يختلفوا] للنصوص ينبغي أن يُقَّدم على فهمنا، أو فهم غيرنا من المتأخرين، أو المعاصرين.
ونحن كما نختار منهج المتقدمين في تصحيح الأخبار وتعليلها، وفي الحكم على الرجال جرحاً وتوثيقاً. كذلك ينبغي لنا أن نفعل هذا في الفقه، لا سيما عند عدم الاختلاف من قبلهم.
أقول هذا؛ ولو لم يظهر للباحث المتأخر وجه اختيارهم للقول الذي اختاروه، أو المستند الذي اعتمدوا عليه. فاتفاقهم على هذا التفسير أو هذا المعنى يجعلنا نتبعهم كما نتبعهم في كثير من المسائل الفقهية والأصولية والعقدية والحديثية وغير ذلك.
3) * فعل المحظور على وجه الاضطرار أو الحاجة لا يسوغ ذلك ترك الفدية. وقد روى مالك في الموطأ بسند صحيح من طريقه عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه قال: إذا اضطر – أي المحرم – إلى لبس شيء من الثياب التي لا بد له منها صنع ذلك وافتدى.
وفي الختام؛ أرجو منك يا أخي أن تتأمل هذا جيداً قبل أن تكتب تعقيباً عليه، والله يحفظنا ويحفظكم.
¥