والمتوسطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا رضي الله عنهم أم سلمة أم المؤمنين، أنس بن مالك، أبو سعيد الخدري، أبو هريرة، عثمان بن عفان، عبد الله بن عمرو بن العاص، عبد الله بن الزبير، أبو موسى الأشعري، سعد بن أبي وقاص، سلمان الفارسي، جابر بن عبد الله، معاذ بن جبل، وأبو بكر الصديق. فهم ثلاثة عشر فقط. يمكن أن يجمع من فتيا كل امرئ منهم جزء صغير جداً ويضاف أيضاً إليهم طلحة، الزبير، عبد الرحمن بن عوف، عمران بن الحصين، أبو بكرة، عبادة بن الصامت، معاوية بن أبي سفيان.
والباقون منهم ? مقلون في الفتيا لا يروي الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والزيادة اليسيرة على ذلك فقط يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط بعد التقصي والبحث وهم ... ".وذكر أسمائهم.
أقول وكانوا أيضا يتدافعون الفتيا ورعاً وخوفاً من الله.
عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال: " لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما منهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتوى " رواه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (2/ 349) بسند صحيح
وروى الإمام ابن المبارك (19) في الزهد بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي ? أراه قال في هذا المسجد فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا".
وروى أيضاً في الزهد (18) بسند صحيح أن ابن عمر رضى الله عنه, سئل عن شيء " , فقال: " لا أدري " , ثم أتبعها , فقال: " أتريدون أن تجعلوا ظهورنا لكم جسورا في جهنم , أن تقولوا أفتانا ابن عمر بهذا "
هذا شأن الصحابة وكذلك من أتى من بعدهم من أهل العلم والفضل المشهود لهم بالإمامة في العلم والدين.
فهذا الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة يقول: " ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك "رواه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (2/ 324) بسند صحيح.
وهذا إمام أهل السنة والجماعة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، قيل له:: " يا أبا عبد الله: كم يكفي الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي؟ يكفيه مائة ألف؟ , قال: لا , قيل: مائتا ألف؟ قال: لا , قيل: ثلاثمائة ألف؟ قال: لا , قيل: أربعمائة ألف؟ قال: لا , قيل: خمسمائة ألف؟ قال: أرجو " الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (2/ 349)
وهذا ابنه عبد الله يقول عنه:"كنت أسمع أبي كثيراً يسأل عن المسائل فيقول لا أدري وذلك إذا كانت مسألة فيها اختلاف وكثير مما كان يقول سل غيري فإن قيل له من نسأل يقول سلوا العلماء ولا يكاد يسمي رجلاً بعينه" مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله (438)
وكثيراً ما كنت أسمع شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله إلى قبيل وفاته إذا سئل عن مسألة يقول:"محل نظر، محل بحث"!
أقول وفي هذا رسالة لكل من تزبب قبل أن يحصرم، وطار قبل أن يريش فإلى الله المشتكى.
قال ابن حمدان في صفة الفتوى (14): "عظم أمر الفتوى وخطرها وقل أهلها ومن يخاف إثمها وخطرها وأقدم عليها الحمقى والجهال ورضوا فيها بالقيل والقال واغتروا بالإمهال والإهمال واكتفوا بزعمهم أنهم من العدد بلا عدد وليس معهم بأهليتهم خط أحد واحتجوا باستمرار حالهم في المدد بلا مدد وغرهم في الدنيا كثرة الأمن والسلامة وقلة الإنكار والملامة"
وما أحوج هؤلاء لمن يأخذ على أيديهم ويحتسب في منعهم وزجرهم حتى لا يقولوا على الله بغير علم.
قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن:"ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق".رواه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 201)
وقد كان الإمام ابن تيمية رحمه الله شديد الإنكار على من يفتي وهو ليس بأهل. قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين (4/ 237) سمعته يقول قال لي بعض هؤلاء: أجعلت محتسبا على الفتوى؟ َ! فقلت له:يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب.
قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (2/ 324):"ينبغي لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المفتين , فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها , ومن لم يكن من أهلها منعه منها , وتقدم إليه بأن لا يتعرض لها وأوعده بالعقوبة , إن لم ينته عنها، وقد كان الخلفاء من بني أمية ينصبون للفتوى بمكة في أيام الموسم قوما يعينونهم , ويأمرون بأن لا يستفتى غيرهم"
¥