تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[إعجاب المرء بنفسه]

ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[03 - 06 - 10, 11:39 م]ـ

[إعجاب المرء بنفسه]

صالح البهلال

إن للنفس البشرية طرائق تميل بها مع الهوى، ومسارب تنفُذ من خلالها نحو الهلاك، وإن اللبيب الموفَّق مَن زمَّ نفسه بزمام التقوى، وجاهدها بلزوم الإيمان، ومراقبة الرحمن؛ فبذلك يفوز ويُهدى، ويسلم وينجح، قال - جل وعز -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 96].

ألا وإن من أدواء النفس الخفية، والتي يحتاج صاحبها يقظة على الدوام؛ حتى يسلم منه: داء (العُجب بالنفس) فقد يمنُّ الله على بعض عباده بنعمة من النعم؛ من علم، أو مال، أو جاه، أو موهبة حسنة ... فيحسب غير الموفق من أولئك أنه ابن بَجْدتها، وأبو عُذْرتها، وأنه ابن جَلَاها، وطلَّاع ثناياها؛ فربما صعَّر خده للناس، ونأى بجانبه عنهم، واستنكف عن قَبول الحق، وهذه مَهلكة ومَزلَّة قَدَم، وما يؤذي فيها المرء إلا نفسه، والمرء إذا لم يلحظْ نفسه، فإنها تقوده إلى العطَب.

وإن علاج ذلك الداء يسيرٌ على من يسره الله عليه؛ وذلك متمثِّلٌ في أمور:

أولاً: أن يعلم العبد أن هذه النعمة إنما هي محض توفيق الله، وأنه ليس لنفسه في ذلك الفضل شيءٌ، وأنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، وأنه لولا الله لكان هملاً مضاعاً، ساقطاً مزدرى، ولكن الله هو الذي أنعم وتفضل، ووهب وامتن، كما قال - تعالى -: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 38]، وقال: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ} [النور: 12] وقد قال الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو أفضل الخلق: {وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً} [الإسراء: 47] وقال: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 311] وقال: {إنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} [الإسراء: 78] وقال على لسان نبيه شعيب - عليه السلام -: {وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

ولذا كان من الدعاء النبوي الذي ينبغي للمسلم أن يقوله طرَفَي النهار: «يا حي يا قيوم! برحمتك أستغيث؛ أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرْفَة عين» [1]، وورد في حديث آخر: «فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر، وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك» [2]، وورد في حديث آخر: «وأشهد أنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضيعة وعورة وذنب وخطيئة، وإني لا أثق إلا برحمتك» [3].

وكان مكحول ومالك لا يفتيان حتى يقولا: «لا حول ولا قوة إلا بالله» [4].

قال الرازي: (والذي جربته من أول عمري إلى آخره؛ أن الإنسان كلما عوَّل في أمر من الأمور على غير الله صار ذلك سبباً إلى البلاء والمحنة والشدة والرزية، وإذا عوَّل العبد على الله ولم يرجع إلى أحد من الخلق حصل ذلك المطلوب على أحسن الوجوه؛ فهذه التجربة قد استمرت لي من أول عُمُري إلى هذا الوقت الذي بلغت فيه إلى السابع والخمسين؛ فعند هذا استقر قلبي على أنه لا مصلحة للإنسان في التعويل على شيء سوى فضل الله - تعالى - وإحسانه ... ومن كان له ذوق في مقام العبودية وشرب من مشرب التوحيد عرف أن الأمر كما ذكرناه» [5].

ولا يشك مسلم أن الله ولي كل نعمة، ولكن ربما تراءت له نفسه، بسبب كثرة ما يسمع من مديح وإطراء، أو لشدة انغماسه في الحياة المادية، أو لكثرة ما يرى من ترادف النعم، مع بُعده عمن يذِّكره بالله؛ فتصدأ الروح وتجف؛ فتحتاج إلى من يُزكِّيها ويَسقيها.

ثانياً: أن يعلم أن بقاء هذه النعمة منوط بشكرها، وشكرُها يتحقق بمسكنة العبد وفاقته إلى ربه؛ فكلما زادت النعمة على العبد كلما تحتَّم عليه أن يزيد افتقاره للخالق، وتواضعه للخلق؛ فمهما بلغ العبد من الصلاح والديانة، فإنه لا ينبغي له أن يدَّعي الكمال، بل يذل لربه، ويعترف بتقصيره وظُلْمه لنفسه، فإذا رأيت الرجل كلما ارتفع كلما زاد افتقاره والتجاؤه لربه، وانكساره له، فاعلم أنه قد تفيأ ظلال التوفيق، وأخذ منه بسبب متين، وآوى فيه إلى ركن شديد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير