تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[اعتزال أم عمالة للآخر؟!]

ـ[محمد جلال القصاص]ــــــــ[30 - 05 - 10, 12:21 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

[اعتزال أم عمالة للآخر؟!]

بين يدي الآن الحراك (الفكري) في نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني، حين اشتبك علماء الشريعة مع أهل الأهواء (كواصل بن عطاء) ومع المتأثرين بالكافرين (كالجهم بن صفوان ومعبد الجهني وغيلان القدري) [1] ومع المندسين من الكافرين (كالجعد بن درهم).

وباستثناء المندسين من الكافرين كانت المشكلة علمية. اشتبهت المسائل على أهل الأهواء فضلوا وخرجوا بآرائهم الفاسدة فكان (الاعتزال) وكانت الأقوال المنحرفة في مسألة الإيمان (الاستثناء فيه ودخول الأعمال في مسماه من عدم دخولها).

كانت حالة من التحقيق العلمي للمسائل والبحث فيها، والخلل أن شارك أهل الأهواء .. أن نزل الميدان متحدثاً مَن حقه أن يجلس في آخر الصفوف مستمعاً.

وبين يدي الآن الحراك الفكري في واقعنا المعاصر، ابتداءً من الحملة الفرنسية وقدوم أحفاد (يوحنا الدمشقي) و (ريموند لول) و (توما الإكويني) إلى البلاد الإسلامية ضمن الحملة الفرنسية، ثم المدارس الأجنبية، ومعالجة المبتعثين للغرب؛ ثم الحراك الفكري في القرن التاسع عشر المتمثل في الصحافة والرواية النسوية، وهيجان بعض العسكر (خير الدين التونسي) والروافض (جمال الدين الإيراني)، والنصارى (بطرس البستاني) [2] للمطالبة بنهضة الأمة العربية. ثم دخول بعض المحسوبين على العلم الشرعي (محمد عبده).

في هذه الفترة ظهر الاعتزال، وظهر (فقه المقاصد)، ولم يكن الأمر كما في بداية القرن الثاني الهجري .. بحثاً علميا من أصحاب هوى أدى إلى هذه الآراء، وإنما جيء بالاعتزال وجيء بفقه المقاصد لتبرير ما يتحدثون به مما أسموه (نهضة).

وحرام على من يتحدث عن الحراك الفكري في هذه الفترة أن يتحدث عنه دون أن يقف مع الفاعلين الحقيقيين في ساحة الفكر، ودون أن يقف مع الأفكار المتداولة يومها. يلقي نظره على المتحدثين بها، ويتأمل حديثهم.

كانوا نصرانياً (بطرس البستاني) و رافضياً (جمال الدين الإيراني) و شرعياً لا يُعرف بتعليم ولا بتعلم على يد علماء ويخالط النصارى والعلمانيين ويصاحب الإنجليز المحتلين، ذاك (محمد عبده) لم يعرف بعلمٍ ولا بتعلم قبل ظهوره، وإنما بشغبٍ وتقلب حتى جاء كرومر ورفع من شأنه.

وحديثهم كله من كيس غيرهم، وهمهم كله بعيد عن همنا وغايتنا التي هي عبادة الله وتعبيد الناس لله سبحانه وتعالى وعز وجل.

حين تدقق النظر في الأفكار والمتحدثين بها تجد أن الفاعل الحقيقي كان الآخر. الفكر فكره، وساحة النقاش (الصالونات والصحف) هو مَن أوجدها، وهو مَن يشرف عليها ويتحكم فيها .. يمدها بأسبابٍ من عنده .. وبأشخاص يدعمهم هو.

في هذا الجو وبين هؤلاء ظهر الاعتزال وظهر فقه المقاصد تبريراً.

فهل هؤلاء معتزلة. أو أصوليون (من أهل أصول الفقه)؟!

أبداً. هؤلاء تكلموا بالاعتزال وصولاً لأهدافهم. هؤلاء جنحوا للعقل أملا في وسيلة يركبونها لأهدافهم. وهؤلاء أخرجوا الشاطبي ـ رحمه الله ـ ونشروا فقه المقاصد شرعنةً لأفكارهم.

هؤلاء كانوا من الآخر، جسراً عبر عليه الآخر. حسنت نياتهم أو ساءت هذه قضية أخرى لا تعنيني هنا ـ، كان الآخر هو الفاعل الحقيقي. وأمارة ذلك تطور الحالة. أو ثمرتها. أخرج هؤلاء علمانيين ولم يخرجوا شرعيين.!!

بعد هؤلاء تراجعت الأمة لذيل القافلة، وهدأت واستقرت تحت المستعمر، بل ورضيت به وراحت تحاكيه، ولم تحصل على (نهضة) كما زعموا.!!

ما شأن هؤلاء بالاعتزال؟

أو ما شأن الاعتزال وهؤلاء؟

هم في طريقٍ والاعتزال في طريقٍ آخر، وفقط تقاطعت الطرق، فعلينا أن نعي أنه فقط تقاطع طرق ولم يكن أبداً طريقاً واحداً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير