كانوا يخذلون الرسول والصحابة في أحلك الظروف ويسعون إلى استثارة النزعات وتفريق صفوف المسلمين (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا. وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا).
بعض المنافقين لم يكونوا يشككون في نزاهة الصحابة أو العلماء والقضاة، بل كانوا يشككون في نزاهة الرسول:
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ).
بعض المنافقين كانوا يؤذون النبي ويصفونه بأنه جاسوس:
(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ)؟
هل يتحمل الموقف من قيمة الحرية أي اختلاف أو توقف أو تحفظ؟. وهل تكفي الآيات التي تم عرضها لإثبات مشروعية وضرورة إعادة ترتيب سلم القيم؟!.)
[تجديد فهم الوحي، ابراهيم الخليفة، ص447، مع حذف بعض الفقرات].
- قصة المادة المستعارة:
وممن تابع هذا الاتجاه الأستاذ نواف القديمي، حيث أعاد عرض ذات المادة التي صاغها زائر الوسطية -مع شئ من الاختصار- في ثلاثة مواضع: في كتابه أشواق الحرية (ص56) حيث استعارها القديمي للرد على موقف السلفية من الديمقراطية، ثم استعار ذات المادة مرةً أخرى في مقالته (على هامش فتوى البراك) وكانت رداً على فضيلة الشيخ الإمام عبدالرحمن البراك، ثم استعارها مرةً ثالثة في مقالته (هامش الحرية والورطة أمام النص الشرعي) للرد على المشايخ الفضلاء (فهد العجلان، محمد القصاص، بدر باسعد، عبداللطيف التويجري). وفي كل المواضع الثلاث لم يشِر الأستاذ القديمي للمصدر الذي استعار منه هذه المادة.
وقد وقعت لي قصة طريفة مع هذه المادة، ذلك أنني حين قرأت كتاب الأستاذ القديمي (أشواق الحرية) فور صدوره مر بي قول الأستاذ:
(وكانوا يؤذون النبي ويصفونه بالتجسس: "وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ")
[أشواق الحرية، القديمي، 57]
وهي نفس العبارة التي أعادها في مقالته في الرد على البراك، فتوقفت محتاراً أمام هذا التفسير، حيث فسر الأستاذ القديمي قوله تعالى "هو أذن" بأنه اتهام للنبي بالتجسس، بينما كنت أتذكر أنه قد أشكل علي معنى الآية قبل سنوات فراجعت على عجل تفسير ابن كثير فوجدت المعنى أن العرب تقول للشخص "أُذُن" أي يقبل ويصدِّق كل مايقال له، لكني تهيبت أن أخطّئه وقلت في نفسي لعله اطلع على هذا المعنى في أحد كتب التفسير الموسعة.
ثم بعد فترة راجعت التفاسير العشرين المشهورة: الطبري، وابن أبي حاتم، والبغوي، وابن كثير، وابن عطية، وابن الجوزي، والزمخشري، والرازي، والقرطبي، وأبو حيان، والخازن، والبيضاوي، والنسفي، وابن جزي، وابوالسعود، والشوكاني، والقاسمي، والألوسي، والسعدي، وابن عاشور.
وفي كل هذه التفاسير العشرين لم أجد أحداً من أهل العلم قال أن معنى "هو أذن" أي جاسوس، وإنما كلهم يؤكدون أن معناها أنه يصدق ويقبل مايقال له، أي أرادو تنقصه –صلى الله عليه وسلم- بالانخداع والاغترار والغفلة، وهذا معنى لاصلة له بالجاسوسية!
ومع ذلك بقيت متحيراً من أين أتى الأستاذ القديمي بهذا التفسير لعبارة (هو أذن) بأنها التجسس؟
ولما أعدت قبل أمس مطالعة كتاب زائر الوسطية وجدت المفتاح، حيث وجدت زائر الوسطية (=ابراهيم الخليفة) يقول في كتابه ذات العبارة:
(كان بعض المنافقين يؤذون النبي ويصفونه بأنه جاسوس "ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن")
[تجديد فهم الوحي، ابراهيم الخليفة، 452].
وكانت هذه الواقعة بالنسبة لي نموذجاً جديداً لمخاطر القص واللصق، سيما بلا عزو ولا نسبة.
¥